مرحبا بزوار التقدمية

مرحبا بالزوار الكرام لمدونة التقدمية. هذه المدونة تتبع صحيفة التقدمية الأصلية وهذا موقعها http://www.taqadoumiya.net/. تعرضت للضرب والحذف فجر يوم 3 سبتمبر وتم استعادتها في آخر يوم 4 سبتمبر بعد الاتصال بشركة غوغل... قد تضرب في أية لحظة مرة أخرى فالرجاء من القراء المهتمين بالمقالات تسجيلها أو طبعها أو البحث عنها عبر غوغل في مواقع أخرى...

الثلاثاء، 30 نوفمبر 2010

ويكيليكس: العاهل السعودي الح على واشنطن لضرب ايران


ويكيليكس: العاهل السعودي ألح على واشنطن لضرب ايران
 قادة الامارات ومصر والاردن وصفوا طهران بالشر..
كرزاي يدفعه جنون العظمة.. وبوتين الكلب الفا.. وميركل ليست مبدعة

لندن ـ 'القدس العربي' ابراهيم درويش واحمد المصري وحسين مجدوبي: تسربت 250 الف رسالة دبلوماسية امريكية امس الأحد معظمها وثائق سرية افادت احداها ان العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز دعا الولايات المتحدة الى مهاجمة ايران لوقف برنامجها النووي كما تضمنت آراء سلبية عن حلفاء رئيسيين لواشنطن، وجاءت في احداها عبارة تهكمية عن رئيس الوزراء الروسي فيلاديمير بوتين تصفه بـ 'الكلب ألفا'.
ومن المتوقع ان تؤدي الثورة الثالثة لويكيليكس بعد وثائق افغانستان والعراق ان تضع الادارة في موضع صعب لانها ستكشف عن الوجه الاخر للادارة وما قالته عن زعماء الدول خاصة انها ستوضح موقف السفراء الذين عادة ما تحفظ رسائلهم الدبلوماسية في الارشيف القومي لمدة خمسين عاما قبل ان يكشف عنها للباحثين، ومن اهم ما كشف عنه حتى الان هو الدور السعودي والالحاح من قبل قادة الدولة على واشنطن لضرب ايران التي باتت القوة الاقليمية وتهدد مصالح الرياض في المنطقة.

وتكشف البرقيات الحاح الملك عبدالله المتواصل على امريكا لضرب ايران و'انهاء البرنامج النووي الايراني' وتكشف برقية ان الملك طلب من الامريكيين 'قطع رأس الحية' وهي ايران وذلك نقلا عن عادل الجبير، سفير الرياض في واشنطن وذلك حسب تقرير عن لقاء مع الجنرال ديفيد بترايوس في نيسان (ابريل) 2008. 

وحذر الملك عبدالله من انه في حال نجاح المشروع الايراني فكل واحد يريد ان يمتلك سلاحا في المنطقة.
وتشير البرقيات الى ان اسرائيل ترغب بالابقاء على هيمنتها النووية على المنطقة وانها عبرت عن استعداد لتوجيه ضربة بنفسها دون اخذ اذن امريكي. وتشير البرقيات الى ان مسؤولين في الاردن والبحرين تحدثوا بصراحة عن ضرورة ضرب ايران باي طريقة حتى عبر القوة. واشار مسؤولون اماراتيون ومصريون الى ايران على انها 'الشر' وتمثل 'تهديدا وجوديا' عليهم، وانها القوة التي 'تجرنا للحرب'. وحذر مسؤولو هذه الدول روبرت غيتس، وزير الدفاع الامريكي انه في حالة فشل الجهود الدبلوماسية لوقف ايران فالمنطقة ستشهد انتشارا للاسلحة النووية في المنطقة.
ولاحظت احدى البرقيات ان المسؤولين في السعودية من البيروقراط انهم معتدلون في مواقفهم من ايران وتختلف اراؤهم عن كبار المسؤولين. ويقول مسؤول امريكي انه في نقاش مع ولي عهد دولة الامارات، طلب الشيخ محمد بن زايد استخدام القوة العسكرية لوقف المشروع الايراني.
وفي الاردن قال زيد الرفاعي، من مجلس الاعيان ان الخطر من المشروع الايراني اكبر من الخطر الذي سينتج عن منعه. وفي نقاش مع ولي عهد دولة الامارات حبذ الشيخ محمد بن زايد الخيار العسكري في الحال بدلا من تأجيله، وقال ان هذا الرجل (الرئيس الايراني احمدي نجاد) يريد جرنا للحرب، وشخصيا لا اتحمل هذا الخطر مع شخص كهذا، فهو شاب وعدواني'. 

وتكشف البرقيات صورة عن الصراحة التي استخدمها مسؤولون لوصف ايران ورئيسها مثل قول الملك عبدالله لمسؤول انه 'لا يمكن الوثوق بهم' وان 'ايران دائما تثير المشاكل' حسب قول الرئيس المصري، حسني مبارك، لنائب امريكي.
فيما كشفت برقية قول وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم 'يكذبون علينا ونكذب عليهم'. والى جانب الحرص العربي على ضرب ايران تظهر الحرص الاسرائيلي كذلك فقد قال الجنرال عاموس يالدين، مسؤول الاستخبارات العسكرية ان اسرائيل ليست للتعامل بليونة مع التهديد الايراني.
وبدأت في الحال وزيرة الخارجية، هيلاري كلينتون حملة لتخفيف حجم الضرر خاصة ان وزارتها نفذت تعليمات الادارة وامرت الدبلوماسيين الامريكيين بالتنصت على العدو والصديق ولم تفلت الامم المتحدة من تحرشات الدبلوماسية الامريكية، حيث طلبت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون من دبلوماسييها التجسس على كبار مسؤولي الامم المتحدة بما في ذلك امينها العام بان كيمون.
وتحمل معظم البرقيات التي كشف عنها عبارة سري ومنها تلك التي تكشف عن تحول في طبيعة العلاقات بين امريكا والصين وكوريا الشمالية ومخاوف الادارة على استقرار باكستان خاصة انها تملك اسلحة نووية. فيما تحدثت وثائق عن وجود علاقة بين الحكومة الروسية والجريمة المنظمة.
وانتقدت برقيات السفارة الامريكية في لندن بشكل حاد، العملية العسكرية البريطانية في افغانستان. ولم تفلت العائلة الحاكمة البريطانية من شر البرقيات حيث تطرقت الى تصرفات غير مناسبة من جانب اعضائها. وسيؤدي الكشف عن موقف قادة الدول العربية من ايران الى زيادة حجم التوتر في المنطقة خاصة ان موقفهم لم يكن مختلفا عن الموقف الاسرائيلي. 

وفي لندن ستقرأها الحكومة البريطانية بعين مختلفة. وتتراوح البرقيات بين توجيه نقد حاد لسياسات رئيس الوزراء البريطاني، ديفيد كاميرون ومطالب من المؤسسات الامنية بتوفير معلومات خاصة عن نواب في البرلمان البريطاني.
ومع النقد الحاد الذي تحمله البرقيات لقادة دول اجنبية وفسادهم فهي تحتوي على نقد المسؤولين الامريكيين في السفارات حول سياسات الادارة.
وتغطي البرقيات مواقف مسؤولين في سفارات دول كبيرة وكذا ممثليها في جزر صغيرة في البحر الكاريبي. وتحمل البرقيات اشارات الى الرئيس الروسي السابق فلاديمير بوتين بـ'الكلب الفا' فيما وصف حامد كرزاي بالرجل المصاب بالبارانويا واحمدي نجاد وصف بهتلر. وتسمي البرقيات الدول الراعية لجماعات ارهابية.
وصورة شخصية عن الزعيم الليبي معمر القذافي الذي تقول برقية ان ممرضة اوكرانية 'مثيرة للشهوة' ترافقه اينما حل وارتحل.
وتبين في التقييمات السرية من جانب دبلوماسيين أمريكيين على سبيل المثال أن الرئيس الأفغاني حامد كرزاي 'شخصية ضعيفة .. ويدفعه جنون العظمة ونظريات المؤامرة'.
كما جاء فيها أيضا أن تقييمات رئيس الوزراء التركي، رجب طيب أردوغان، تنزع إلى الشك فيه، فيما يتم التحدث عن القيادة الكينية بازدراء.
وجاء في إحدى الوثائق أن الخارجية الأمريكية في واشنطن طالبت السفارة الأمريكية في روما بالتحقق من شائعات حول أن رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني تجمعه تعاملات في مجال الممتلكات الخاصة مع بوتين. ووصف الرئيس الروسي ديمتري مدفيديف بأنه 'ضعيف ومتردد'.
وفي معرض تقييم المستشارة الألمانية، آنجيلا ميركل، وصفها دبلوماسي بأنها 'تتفادى الخطر، وليس مبدعة كثيرا'. ويعتقد ان برقيات السفارات تم تحميلها بداية هذا العام من قبل جندي امريكي ومررها لموقع ويكيليكس مشكلا اكبر ارشيف الكتروني في التاريخ عن الدبلوماسية الامريكية في الخارج. وكما حدث في الحالات السابقة فقد تم نشر البرقيات في عدد من صحف العالم 'نيويورك تايمز' و'لوموند' و'البايس' الاسبانية و'دير شبيغل' الالمانية.
وتظهر الوثائق ان الخارجية الامريكية تستخدم السفارات كجزء من شبكة التجسس العالمية التي تديرها. فقد اصدرت وزيرة الخارجية كلينتون و'سلفتها' كوندوليزا رايس لسفراء امريكا طلبا لجمع معلومات عن المواقع العسكرية والاسلحة والعربات والشخصيات السياسية، واخذ بصماتهم وصور لقرنيات عيونهم.
 
(المصدر: صحيفة "القدس العربي" (يومية – لندن) الصادرة يوم 29 نوفمبر  2010)

الاثنين، 29 نوفمبر 2010

السعودية: القاعدة، من نقمة إلى نعمة


السعودية: القاعدة، من نقمة إلى نعمة

- حبيب طرابلسي - 

استطاعت السعودية، التي عانت الأمرّين من "الفئة الضالة"، أن تتحول من بلد متهم من بعض الجهات الغربية بتفريخ المتشددين والمتطرفين إلى دولة محورية في محاربة الإرهاب العالمي، بعد أن حققت نجاحات متميزة في مكافحة "تنظيم القاعدة في بلاد الحرمين" والذي تحول بدوره من نقمة إلى نعمة بالنسبة للنظام السعودي، عدوه اللدود.

مفارقة عجيبة

ومن المفارقات الغريبة العجيبة أن أنصار يوسف العييري، "الأب الروحي" لأول فروع تنظيم القاعدة  التي تم إنشاؤها بعد نكسة "تورا بورا" نهاية 2001، قد ساهموا عنوة في إبراز السعودية كلاعب كبير في المعركة العالمية ضد التطرف والإرهاب و في تعزيز علاقة النظام السعودي مع الغرب.

ويرجع ذلك إلى الخطأ الفادح الذي ارتكبه التنظيم باستهدافه المدنيين و رجال الأمن من خلال عمليات التفجير الدموية التي تمثّلت خصوصاً في مهاجمة مجمّعات سكن المقيمين الأجانب في الرياض ما بين عامي 2003 و2005، والتي تسببت في خسارة التأييد الشعبي للتنظيم وأثارت سخط شريحة كبيرة من السعوديين.

وكانت حصيلة هذه العمليات العشوائية 90 قتيلا و439 جريحا من المدنيين السعوديين والأجانب و74 قتيلا و657 جريحا من قوات الأمن، حسب الإحصاءات الرسمية.

لكن أجهزة الأمن السعودية، بقيادة الأمير محمد بن نايف، مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية والمسؤول المباشر عن ملف مكافحة الإرهاب بالوزارة، سرعان ما بادرت بالترصد لتحركات خلايا التنظيم وتفكيكها الواحدة تلو الأخرى وقتل أو اعتقال قياداتها، بدءاً بيوسف العييري وانتهاء بصالح العوفي.

وتؤكد السلطات الأمنية أنها نجحت في إحباط أكثر من 210 عملية إرهابية منذ 12 مايو 2003 وضبط عشرات الأطنان من المتفجرات و من المواد المستعملة في صناعة المتفجرات، بفضل "الضربات الاستباقية".

نقل "الجهاد" إلى القصور الملكية

وبعد أن هُزم عسكرياً، اضطر التنظيم إلى اللجوء إلى اليمن المجاور حيث اندمج مع الفرع المحلي للقاعدة و بدأ يخطط لعمليات في المملكة، كان من أفشلها محاولة اغتيال الأمير محمد بن نايف، في أغسطس 2009.

وتندرج هذه المحاولة الفاشلة ضمن "إستراتيجية جديدة" لنقل "الجهاد" من المجمعات السكنية إلى القصور الملكية، كما يزعم التنظيم الذي عاد ليهدد في يونيو 2009 بشن عمليات اختطاف تستهدف كبار المسؤولين وأمراء من أسرة آل سعود الحاكمة، رداً على اعتقال السلطات لامرأة سعودية، "هيلة القصير"، توصف بأنها أخطر عضوات التنظيم في المملكة.

وفي أكتوبر ألماضي، اعترف التنظيم بضلوعه في أكثر من محاولة إرهابية فاشلة استهدفت الأمير محمد بن نايف.

وأجمعت الصحف السعودية آنذاك على القول بأن تهديد التنظيم باستهداف رموز النظام السعودي ناتج عن يأس وإفلاس "الفئة الضالة" بعد التضييق الأمني عليها وضرب بنيتها التحتية وإفشال مخططاتها التخريبية، بعد أن أخفق الرعيل الأول من القاعدة في "إخراج المشركين من جزيرة العرب"، كما نادى به أسامة بن لادن


غير أن النجاحات التي حققتها الأجهزة الأمنية التي يبدو أنها اخترقت التنظيم من خلال عملاء كان بعضهم معتقلين في سجن غوانتانامو، من شأنها أن تعيق عمليات التنظيم الذي أصبح يعتمد على مجموعات صغيرة مدربة تدريبا جيدا على الرصد والتخطيط والتنفيذ..

"
الاستخبارات السعودية" كنموذج

واليوم، وبعد أن أعلنت الرياض من جديد عن إحباط السلطات السعودية لعمليات إرهابية أخرى، انطلقت الصحف المحلية كعادتها لتشيد بالأجهزة الأمنية التي "تقود بكفاءة عالية حرباً لا هوادة فيها على الإرهاب والتشدد" ولتؤكد بأن "طريق الانتصار على الإرهاب العالمي يمر عبرالرياض".

وتفيد وزارة الداخلية أنها "أفشلت خلال الأشهر الثمانية الماضية عشرة مخططات تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار داخل المملكة و تمكنت من تفكيك 19 خلية تضمّ 149 شخصاً ممن لهم علاقة بالأنشطة الإرهابية، بينهم 124 سعوديّا".

فكتب طارق الحميد في "الشرق الأوسط" أن "السعودية قدمت درسا في كيفية التعامل مع مكافحة الإرهاب، وذلك من خلال إيمان رجال الأمن بأهمية وقدسية معركتهم، حيث بات الأمن السعودي يملك اليد الطولى في محاربة الإرهاب  (...) ولذا فإن العالم كله يشكر اليوم للسعوديين تميزهم الأمني الكبير".

أما يوسف الكويليت فقال في "الرياض" أن "المملكة أنجزت ما يعتبر تقدماً قياسياً ليس على مستوى المحتوى الداخلي أو الجوار العربي والإقليمي فحسب، بل تعدت ذلك إلى أن أصبحت رائدة في تحذير دول سبقتها في ريادة الرصد والمتابعة والاحتواء لنشاطاتٍ أخطر من القاعدة".

وتقول السعودية أنها وفرت المعلومات الحيوية التي أماطت اللثام عن ما بات يعرف بقضية " الطرود المفخخة"  المرسلة من اليمن إلى الولايات المتحدة، و التي لولاها لتعرض الأميركيون إلى أشد الهجمات الإرهابية تدميراً على أرضهم منذ هجمات 11 سبتمبر 2001، كما تؤكد الصحف المحلية.

ولكن "نبأ نيوز"، الموقع التابع للأمن القومي اليمني فال أنها "مسرحية وفلم سعودي من أخراج أمريكي".  كما أن  بعض المحللين أعتبرها صنيعة عمل استخباراتي إقليمي دولي متقن هدفه التدخل المباشر في اليمن تحت عباءة مكافحة الإرهاب.

وكانت هجمات 11 سبتمبر قد وضعت السعودية تحت المجهر وجعلتها متهمة من بعض الدول الغربية بدعم الإرهاب فكريا ومعنويا وماديا. وعانت السعودية بسببها من ضغوط واشنطن لإجراء تغييرات جوهرية في مؤسساتها، خاصة التعليمية لاجتثاث التطرف من مناهجها التي تشتمل على تعاليم دينية تكفر أتباع الديانات الأخرى من مسيحيين ويهود وغيرهم  وتحث على الكراهية" "

وقد شرعت وزارة التربية والتعليم السعودية في إدخال "تعديلات كثيرة" في مقررات المناهج الدينية في المدارس السعودية وكذلك المدارس التابعة للمملكة في الخارج.

وقامت السعودية منذ ذلك الحين بسلسلة إجراءات من اجل محاربة الإرهاب وأقرت لذلك تشريعات جديدة لمكافحة غسيل الأموال و مراقبة أنشطة الجمعيات الخيرية وعملية جمع التبرعات للتأكد من عدم ذهاب الأموال إلى جهات إرهابية.

كما أعدت السعودية أحد أكثر برامج تأهيل "الجهاديين" في العالم، يهدف إلى إعادة تثقيفهم وإعادة دمجهم في المجتمع السعودي.

القاعدة: "دليل المستعمل"

في المقابل، تعتقد الدكتورة مضاوي الرشيد، أستاذة الإنثربولوجيا الاجتماعية بجامعة لندن، أن "النظام السعودي بحاجة لتنظيم القاعدة الذي أصبح جزءا لا يتجزأ من إستراتيجية البقاء للنظام (...) فكلما نفخ النظام في بوق خطر القاعدة، كلما حصد من الرصيد الداخلي والخارجي الكم الهائل".


وتضيف الرشيد في مقال نشر في "القدس العربي": أن "خطر القاعدة الحقيقي أو الوهمي شماعة يعلق عليها النظام مخاوف المجتمع من عدم الاستقرار والعنف والقتل. فمن مصلحة النظام السعودي أن يظل المجتمع تحت هاجس القاعدة وعنفها و يظهر النظام وكأنه المخلص والملاذ الأول والأخير ومصدر نعمة الأمن والسلام. وخارجيا، أصبحت السعودية وأجهزتها الأمنية المصدر الموثوق في توفير المعلومات عن القاعدة ومخططاتها المستقبلية ليس فقط في المنطقة بل في العالم".

ويعلق أحد القراء على المقال الذي نقلته عدة مواقع إلكترونية قائلا: "هناك بعض الأنظمة العربية أصبحت تستفيد من الإرهاب: منها من يستخدمه من اجل الحصول على المساعدات العسكرية واستجداء الدعم المالي بحجة مكافحة الإرهاب، ومنها من يستخدمه للحصول على مكاسب سياسية وتلميع صورته وقمع معارضيه تحت جلباب ‘الحرب على الإرهاب’".

الجمر تحت الرماد

ورغم الإشادة ب"الإنجاز الجديد الذي أضيف إلى السجل الذهبي لرجال الأمن"، فإن عدد من الكتاب السعوديين رأوا أن  تفكيك الخلايا و إفشال المخططات الإرهابية لم يعد يكفي ما "لم يزل للتنظيم تحت الرماد جمر"، كما يكتب عبدالله بن بجاد العتيبي الذي يقول في "عكاظ": "ما هو أخطر من التنظيم التخريبي هو الآيديولوجيا التي توجهه، والأفظع من عملياته على المدى الطويل هو الخطاب الذي ينطلق منه، وهي آيديولوجيا حدية متطرفة وخطاب دموي يلعب بالعقول قبل أن يحرك الأجساد ... آيديولوجيا القاعدة أخطر من القاعدة".


ويتفق معه في القول زميله خلف الحربي الذي يتساءل: "هل سنستخدم السلاح الفكري إلى جوار السلاح الأمني كي نقضي على المناخات السرية التي يولد فيها الإرهابيون ؟" والذي حسب رأيه يتم من خلال "مشروع تنويري وطني شامل تشارك في صناعته جميع الوزارات، وفي طليعتها بالطبع وزارة التربية والتعليم ووزارة الثقافة والإعلام".

وكذلك حمود أبو طالب الذي يعتقد أنه "رغم كل الإجراءات المتخذة ... فأن مصنع الإرهاب لا زال باستطاعة الدفع بالمزيد من إنتاجه بعد كل مرة يعلن القبض على دفعة منه".

أما جميل الذيابي فيرى أن آخر الطب الكي، إذ يقول:

"البيان الأخير كشف أن الجماعات الإرهابية لا تزال قادرة على التغلغل وسط الشبان السعوديين والتأثير فيهم وتجنيدهم مجددا"

"لا يمكن أن يخضع أمثال هؤلاء الضالين لبرامج المناصحة وإعادة التأهيل".

"الدواء المناسب لهذا الداء هو القصاص منهم عاجلاً لا آجلاً. وهذا يستوجب القضاء عليهم وعلى أفكارهم، وتدميرهم وصلبهم ليكونوا عبرة لمن لا يعتبر. فالاجتثاث والقتل بالرصاص هو العقاب الذي لا يفهمون ولا يفقهون غيره".


الأحد، 28 نوفمبر 2010

سفر الملك عبد الله يثير القلق في السعودية وخارجها


سفر الملك عبد الله يثير القلق في السعودية وخارجها


معركة كسر عظم بين نايف وعبد الله وسلمان وبندر


بقلم اريبيان بزنس 


نقلا عن موقع


http://www.arabianbusiness.com




قائد الجيش السعودي الماريشال خالد بن سلطان
تحت عنوان خلافات آل سعود تُضعف الرياض وتُقلق واشنطن: معركة الخلافة ترجّح الجيل الثاني، كتب إيلي شلهوب في صحيفة الاخبار اللبنانية عن أهم أنباء السعودية ويقول، وكأنّ التاريخ يعيد نفسه. صورة للملك عبد الله على كرسي نقّال تذكّر بحال الملك الراحل فهد، وتفتح المعركة على الخلافة في ظل خلافات تستعر بين أمراء آل سعود، تجاوز صداها حدود المملكة، ليمتد إلى دول الجوار، بل إلى واشنطن

حراك غير اعتيادي تشهده الساحة الداخلية السعودية، كمّاً ونوعاً، منذ أيام، إذا ما أضيفت إليه بعض التسريبات الخارجة من الرياض، فإنّهما ينبئان بالحد الأدنى بتوجه نحو ضبط الخلافات التي تعتمل بين أجنحة العائلة المالكة، والتي بدأت تؤثر في الأداء الإقليمي للسعودية ودورها في المنطقة، وربما لا ينتهيان بترتيبات توريث الملك ما بعد عبد الله، الذي يثير حالة من القلق في واشنطن، سواء لدى الإدارة أو أجهزة الاستخبارات.


لكن بدايةً لا بد من الإشارة إلى المقولة التي تحولت لازمة في كل مقال عن السعودية ينشد المهنية: من يعرف ماذا يدور في أروقة آل سعود لا يتكلم، ومن يتكلم لا يعرف. غير أن الركون إلى بعض المؤشرات الظاهرة مع التسريبات التي تخرج بين الفينة والأخرى إلى العلن من داخل الرياض، تضاف إليها المعلومات الموجودة بحوزة العواصم المعنية مباشرةً بما يدور في السعودية مثل دمشق وبيروت وطهران، يمكن أن يساعد على تركيب الصورة.

نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية الوهابي المتشدد
من هذه المؤشرات سفر الملك عبد الله اليوم إلى الولايات المتحدة بهدف معلن هو «العلاج»، وإن كانت التسريبات تفيد أنه ذاهب ليبحث ترتيبات الخلافة، وعودة ولي العهد سلطان وأمير الرياض سلمان إلى السعودية أمس، وإن كان هناك من وضعها في خانة عدم ترك فراغ في السلطة، وقبلها كان تعيين الأمير متعب، الابن الثالث لعبد الله، رئيساً للحرس الوطني وعضواً في مجلس الوزراء الذي يرأسه والده (علماً أنه عسكري محترف يحظى بشعبية واسعة في صفوف الحرس، الذي يعدّ التشكيل العسكري الأقوى في المملكة بعديد يلامس المئة ألف عنصر ويتولى مهمة العلاقة مع القبائل وتوزيع الأموال عليها).
وهناك عودة بندر بن سلطان، بعد أشهر من الغياب القسري بفعل غضب عبد الله عليه، باستقبال حاشد من جانب العائلة المالكة في المطار.


وتفيد التسريبات أن «خطوة تعيين متعب في منصب كان يشغله عبد الله، هي عملياً المرة الأولى التي يتخلى فيها ملك عن منصب يشغله على حياته وقد أرادها عبد الله كنموذج يؤهله ليطلب من الآخرين الاقتداء به». وتضيف التسريبات نفسها أن عبد الله مع نقل السلطة إلى جيل الأحفاد، «ويبدو أن لديه تصوراً يقوم على تعيين خالد الفيصل نائباً ثانياً لرئيس الوزراء، مكان نايف، ما يؤهله ليكون ولي العهد المقبل، وخالد بن سلطان وزيراً للدفاع، ومحمد بن نايف وزيراً للداخلية، وتركي الفيصل وزيراً للخارجية، وبندر بن سلطان رئيساً للاستخبارات»، مشيرةً إلى مرض الأمير سلمان بداء القلب، وإلى أن «البحث جار عن منصب لمحمد بن فهد، على قاعدة أن السعوديين يهتمون جداً بأبناء الملوك».


مصادر قريبة من أروقة صناعة القرار في السعودية تقول إن «أولاد سلطان هم من أعادوه إلى الرياض لقطع الطريق على عمهم نايف لتسلم مقاليد الحكم فعلياً بغياب الملك». وتضيف إن «عبد الله، لمّا تسلم الحكم فعلياً بعد عجز الملك فهد، درّج عُرفاً بأن يحوّل جميع قرارات مجلس الوزراء، الذي كان يرأسه بغياب فهد، إلى الملك من أجل توقيعها. ولمّا كان أولاد سلطان يعرقلون هذا الأمر بحجة أن الملك تعِب أو نائم أو ما إلى ذلك، عمد عبد الله إلى تعيين عبد العزيز بن فهد وزيراً في الحكومة، وكان يعطيه، مع انتهاء كل جلسة، القرارات ليأخذها إلى والده لتوقيعها. ليس واضحاً كيف سيجري هذا الأمر الآن بغياب عبد الله».
تطورات تكتسب أهميتها من حقيقة باتت متداولة في كلياتها، وإن كانت غير معروفة كثيراً في تفصيلاتها، وهي أن السعودية وإن كانت صفتها مملكة، لكنها في الحقيقة أربع ممالك يتزعم واحدة منها عبد الله فيما يقود الثلاث الأخريات السديريّون الثلاثة: نايف وسلطان وسلمان، وهذه الممالك الأخيرة، وإن كانت في صراع في ما بينها، لكنها متحالفة في وجه مملكة عبد الله. فضلاً عن أن العائلة المالكة يعصف بها نوعان من الصراعات: الأول صراع أجيال بين أبناء الملك الراحل عبد العزيز آل سعود وبين أحفاده، والثاني صراع على النهج السياسي، بين تيار إصلاحي معتدل ومنفتح يقوده عبد الله، وآخر محافظ متشدد يقوده نايف وثالث فاسد مرتبط بأجهزة الاستخبارات الأميركية يتزعمه سلطان.

ولا بد من الإشارة هنا إلى حقيقة أخرى أثبتتها الممارسة في خلال العقود الماضية، تفيد بقدرة عائلة آل سعود على ضبط الخلافات والتناقضات داخلها، بل واحترام أمرائها للحدود في ما بينهم. لكن هناك من يتحدث عن أن هذا الأمر ظل صحيحاً إلى عام 1988، حين توفي الأمير محمد بن عبد العزيز، الذي كان يمارس دور عميد الأسرة الحاكمة أو المرجع المتمكن والحاسم لكل خلافاتها، ومن بعده أحيلت القضايا الاجتماعية والخلافات العائلية على مستوى الزواج والطلاق وما يوازيها من مشاكل للأمير سلمان، لكن لم يخلف الأمير محمد في شأن قضايا الخلاف الكبرى أحد.

عبد الله يريد تعيين خالد الفيصل نائباً ثانياً لرئيس الوزراء ما يؤهله ليكون ولي العهد المقبل ويبدو أن خلافات هذه الأسرة تجاوزت في خلال الفترة الماضية الحدود السعودية لتؤثر على أداء الرياض في مجموعة من الملفات، وبينها لبنان والعراق والعلاقة مع إيران وسوريا والعلاقة السنية الشيعية.


مصادر عليمة بشؤون المملكة وشجونها تقول إن «الناس في السعودية يدعون الله لأن يمد بحياة عبد الله أربع أو خمس سنوات على الأقل من أجل أن تتاح فرصة إلغاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي بدأ العمل عليه». وتضيف إن «مشروعه الإصلاحي الداخلي قد سار قدماً، ما خلق حالاً من الارتياح الشديد في الأوساط المناهضة للفساد والمؤيدة للانفتاح وفي أوساط الشباب الذين يمثّلون عصب المجتمع السعودي. لقد حقق الكثير من الاختراقات: استقبل الشيعة والإسماعيليين، وأطلق للمرة الأولى حواراً سنياً شيعياً، كما أطلق الحوار الأول الذي شاركت فيه المرأة». وتتابع «كان لديه مشروع وطني عنوانه فلسطين. الكل يذكر خطبته الشهيرة أمام الجيش السعودي قبيل انطلاقه للمشاركة في معركة تحرير الكويت. كان خطاباً طغت عليه لغة أن هذا جيش تحرير فلسطين. حتى خرج من قال له، في الداخل والخارج، إن فلسطين في الغرب لا في الشمال. استمر الوضع على هذه الحال إلى أن جاءت رسالته الشهيرة الشديدة اللهجة إلى جورج بوش. طلب حلاً فلسطينياً، قبل أيام فقط من هجمات 11 أيلول، التي وضعت السعودية في موقع الدفاع، وأدت إلى مبادرة عبد الله التي إن عنت شيئاً فتصفية القضية الفلسطينية».


المصادر القريبة من أروقة القرار في السعودية تقول إن «عبد الله يعدّ أضعف ملوك المملكة. عجز حتى عن حسم قضية ولاية العهد، وما هيئة البيعة التي ألّفها في 2006 سوى ترحيل لهذه المشكلة. لم يستطع حتى حماية الإصلاحيين، الذين انفتح عليهم، من نايف الذي كان يعمد إلى اعتقالهم».

أما سلمان (74 عاماً) فتصفه المصادر نفسها بأنه «ذو وجهين؛ هو صديق المثقفين وفي الوقت نفسه على صلة بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر»، مشيرةً إلى أنه «مؤثر في قرار هيئة البيعة التي ألّفها الملك عبد الله لاختيار ولي العهد». وتضيف إنه «يحظى بتأييد العائلات الثرية وذات النفوذ التي استوطنت الرياض خلال السنوات الثلاثين الماضية»، مشيرةً إلى أن «هناك محاولة على ما يبدو لإقناع نايف، بالتنحي لمصلحة سلمان، لأسباب متعددة أولها أن وزير الداخلية، الذي يتحكم في الشرطة والمطاوعة (نحو 80 ألف عنصر معاً) طاعن في السن ويعاني مرض اللوكيميا، فضلاً عن أنه غير مرحّب به في واشنطن التي تصفه بالرجل الصعب».

وفي حديثها عن نايف، تصفه المصادر بأنه «المتحكم في الأمن والداخلية»، مشيرةً إلى أنه يأتي مباشرةً بعد سلطان في تولي العرش، وإلى أن نجمه قد صعد في الحرب التي شنها على تنظيم «القاعدة» وفي برنامج التأهيل الذي وضعه لمن سمّاها «الفئة الضالّة» من أجل إعلان «التوبة». وتضيف إنه «متطرف ومؤيد شرس لهيئة الأمر بالمعروف، بل للمؤسسة الدينية التي تستفيد من دعمه لها ويستفيد من دعمها له».
وتؤكد المصادر نفسها أن سلطان، الذي يقود جيشاً من نحو 80 ألف عنصر وقوات جوية من نحو 20 ألفاً، «هو حلقة الارتباط الرئيسية بالسي اي ايه»، مشيرةً إلى أنه أصبح «عاجزاً وفاقداً للحيلة فيما ابناه، بندر، لا يمكن حسابه على والده لكونه قد فتح على حسابه، وخالد، الذي يبدو رجل أعمال أكثر منه رجل أمن وسياسة».


وتتابع أن المشهور عن بندر «رعايته قاعدة العراق منذ أيام أبو مصعب الزرقاوي، وفتح الإسلام في لبنان»، مشيرةً إلى أنّ جناح سلطان هو أكثر من تضرّر من حملة عبد الله لمكافحة الفساد. «أقفلوا عليه مزاريب المال. توقفت العمولات، وحتى فواتير النفقات ما عادت تُدفع».


مصادر وثيقة الصلة بأروقة القرار في طهران ودمشق تؤكد «وجود خلاف جذري وحاد بين ما يمكن تسميته جناح الملك، والجناح السديري من الأبناء الروحيين للملك الراحل فهد»، في إشارة إلى إخوته نايف وسلطان وسلمان. وتوضح أن «تسمية أبناء فهد المقصود منها متابعة هؤلاء والتزامهم بنهج الملك الراحل وسياساته بعد وفاته»، مشيرةً إلى أنّ هناك «صراعات حتى في صفوف هؤلاء بين سلمان المنفتح على الليبراليين ونايف راعي السلفيين وسلطان وابنه خالد اللذين تنتهي حركة اتصالاتهما في مقر وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وطبعاً درّة هؤلاء بندر، الذي فرض الأميركيون عودته إلى المملكة من أجل أن يلقي بعبئه وثقله على الملك عبد الله». لكنها صراعات، على ما تشير تلك المصادر، «تدور تحت سقف واحد، وهو اتفاق الجميع ضد عبد الله»، الذي «لا تجد من حوله رموزاً كبيرة. هناك ابناه، متعب، الذي كُلّف رئاسة الحرس الوطني، وعبد العزيز، المكلف العلاقات مع سوريا، ومعهما رئيس الاستخبارات الأمير مقرن، الذي يوزّع رجليه، واحدة عند عبد الله، والثانية عند بندر».
وتقول المصادر إنّ «عبد الله ليبرالي النزعة، لا سلفيّ. مناهض للوهابية، بل إنه يرفض هذا المصطلح أصلاً. إصلاحي بالمعنى الإداري والمالي والتنظيمي. يقبل كل شيء يجلبه الغرب. أكثر تقبلاً للشيعة وقادر على التعايش معهم. مؤيد للحوار بين الأديان، وأيضاً الحوار السني الشيعي. ينبذ التكفيريين ويقود الحوار مع سكان المنطقة الشرقية (شيعة السعودية). لا يمانع الاختلاط بين الجنسين، والدليل ما يجري في الجامعة التي تحمل اسمه. يطرب للأصوات المعتدلة في العالمين العربي والإسلامي لأنه يعدّها رافعة له. كما لا يمانع إجراء تسوية مع إيران، إذا وجد العرب صيغة مناسبة لذلك، لكن طبعاً إيران علي أكبر هاشمي رفسنجاني، وإيران محمد خاتمي، لا إيران محمود أحمدي نجاد، ليس لشيء سوى لأن هذا الأخير غير مقبول أميركياً. هو حليف وثيق للولايات المتحدة لكنه ديموقراطي النزعة. العلامة السوداء الأساسية في سجله أنه مع تصفية القضية الفلسطينية، على قاعدة المبادرة المعروفة».


في المقابل، تقول المصادر نفسها، إن «أبناء فهد يحتلون الطرف النقيض لعبد الله. صحيح أن التحالف مع أميركا يعدّ قاسماً مشتركاً بينهم. لكن هؤلاء جمهوريّو الهوى. هم مع القضية الفلسطينية. وكلمة «مع» هنا لا تعني تحريرها من البحر إلى النهر، بل مراعاة منهم لجمهورهم السني السلفي الذي يقدس هذه القضية». وتضيف «هم يستخدمون التيار السلفي لأخذ امتيازات سلطوية من الأميركيين في صراعهم مع عبد الله والمعتدلين، وفي الوقت نفسه يستفيدون من الهجمة الأميركية على إيران والشيعة لأنها تتناسب مع الوجه الوهابي الذي يرتدونه».


وتؤكد المصادر نفسها، في تفسيرها لانعكاس هذا الخلاف الداخلي على السياسة الإقليمية للرياض، أن «هذا ما يضعف الدور السعودي. فريق يأتي بحركة، فيقوم الآخر بعكسها. لعل المثال الأوضح ما حصل عندما دعا عبد الله إلى حوار أديان أواخر عام 2008. وقتها، دعا رفسنجاني وخاتمي، الذي لم يتمكن من الحضور. المهم، أنه في الوقت الذي كان فيه الحوار منعقداً، خرج 50 عالم دين سعودياً، بتحريض من نايف، ببيان يكفّرون فيه الشيعة. ولما عاتب رفسنجاني الملك، قال له عبد الله: هذا البيان ضدي أكثر مما هو ضدكم. يريدون تخريب مبادرتي».
وتستطرد المصادر أن «كل ما يفعله التكفيريون في العراق، إنما يقومون به رغماً عن عبد الله. لدينا معلومات دقيقة عن كيف طلب هؤلاء الدعم المالي والسلاح من الملك الذي رفض تزويدهم به. الدعم الرئيسي يتلقونه من نايف وبندر الذي يبدو كأنه يجلس على قلب عبد الله». وتضيف إنه «لا شك في أن ملك السعودية صادق في مبادرته العراقية. هو يتمنى من كل جوارحه أن ينتهي من هذه المشكلة. يأمل بطائف عراقي، يرفضه أبناء فهد الذين يتحملون مسؤولية تفجيرات العراق التي تحمل بصمات بندرية». وتتابع «لكن عبد الله محاط بذئاب، لعل أشرسهم نايف الذي يمكن وصفه بأنه المصيبة الكبرى. الأنكى أنه الخليفة المحتمل لعبد الله، الذي يُعدّ العنصر الأضعف في هذه المعادلة، وخصوصاً مع الحال الصحية التي تزداد تدهوراً لسلطان»، موضحةً أن «بندر معاد شرس لإيران والشيعة. معاد لأي تفاهم معهم. غير قادر حتى على تحمل اتفاق أمني على مكافحة المخدرات وقّعه مع طهران ويرفض تنفيذه».


وتقول المصادر إن «الوضع عينه ينطبق على لبنان، وهو ما يفسر حال التخبط التي يعيش بها (رئيس الحكومة سعد) الحريري. رزقه وغطاؤه السياسيان عند عبد الله الذي صالحه مع دمشق ويحاول دائماً إفهامه بأنه رئيس وزراء لكل اللبنانيين. أما سره، فعند أبناء فهد، أصحاب خطة التجييش المذهبي، الذين يمتلكون قدرة تقطيع أوصاله المالية. يعيش في حيرة: هل يتلقى أمر اليوم بحسب فهم عبد الله الذي يمسك بزمام الحكم في المملكة، أم يأخذه من الآخرين الذين يتحكمون في «مصارينه»؟».
مصادر عليمة بشؤون علاقة السعودية بالحريري تؤكد أنه «لا يزال، كما والده، عند عبد العزيز بن فهد، لكن الملك عبد الله يمسك بخناقه. جمّد له نحو أربعة مليارات دولار من أمواله ولا يدفع له إلا بالقطّارة».


مصادر مطلعة على علاقة الرئيس السوري بعبد الله تقول إن «ملك السعودية يحب الدكتور بشار بصدق. يعدّه بمثابة ابنه. حتى عندما يغضب منه أو يقاطعه». وتضيف إن «الرئيس الأسد هو الوحيد القادر على رسم ابتسامة على وجه الملك، بخمس أو ست كلمات فقط، حتى في أوج المشاكل»، التي إن حصلت «بسبب الأخبار المغلوطة التي كانت تُنقل للملك، ومنها وجود حركة تشيّع واسعة في سوريا بدعم من السلطات».


وتتابع المصادر نفسها أن «قمة القطيعة جرت يوم ثبت للسوريين أنّ بندر كان يحاول تقويض الاستقرار الداخلي السوري في حركة بلغت ذروتها أواخر عام 2007. في هذه الفترة اعتقلت السلطات السورية أحد أبناء بندر لقيادته هذه الحركة، ولم تُفرج عنه إلا أخيراً بطلب من عبد الله. ما فعله بندر كان السبب الرئيس لإخراجه من السعودية، لكونه قام بما فعل من دون علم الملك. كما أن إطلاق ابنه كان الجزرة التي أدت إلى عودته».

الجمعة، 26 نوفمبر 2010

السعودية: هاجس تعددية الفتاوى


السعودية: هاجس تعددية الفتاوى



بقلم الدكتورة مضاوي الرشيد



مقال نشر في القدس العربي بتاريخ 23-08-2010
السعودية: هاجس تعددية الفتاوى

بعد ان صدر امر ملكي يقضي بحصر الفتاوى المتعلقة بالشأن العام في هيئة كبار 
العلماء ومن تختاره هذه الهيئة في السعودية اعتقد البعض ان هذا الامر سيقضي 
على ما سمي 'فوضى الفتاوى' وسوقها المنتشر، خاصة على شاشات الفضائيات 
والمواقع الالكترونية.


ولم يتساءل احد عن مغزى الامر الملكي والذي يعيش هاجس هذه التعددية خاصة وان بعض الفتاوى التي صدرت حديثا تشكك في امور تطال المجتمع ومسيرة الدولة ورؤيتها. لا يخاف النظام السعودي اختلاف وتعدد الفتاوى المتعلقة بالامور الشخصية والعبادات فهو لا يأبه بسجالات دينية حول كشف وجه المرأة او تغطيته ولا يهمه ان ارضعت نساء السعودية الكبار او الصغار ولا يؤرقه اختلاف الرأي الديني حول شرعية قرض لتأدية فريضة الحج ولا اهمية دخول المرحاض بالقدم اليمنى او اليسرى ولكن ما يهمه تلك الفتاوى التي تعرض رأيا مؤصلا قد يخالف ما تتبناه الدولة في سياستها المحلية والخارجية. وبما ان النظام السعودي لا يزال يصر على الاصول الدينية للدولة لذلك يحرص على ان تنحصر الفتاوى في هيئة رسمية تنتقي الدولة اعضاءها حسبما تراه مناسبا ولها الحق ان تعين وتعزل من تشاء دون محاسب او رقيب او تبرير لسياستها الادارية تماما كما يحصل في بيروقراطيات النظام. ويدخل النظام السعودي في دوامة التناقضات حين يتبنى سياسة الحوار واحترام الرأي الآخر والتعجيل في مسيرة التعددية الفكرية اذ انه يحصر التعددية في الامور التي لا تطال نظرته وسياسته من جهة ويقمع كل رأي فكري ثقافي كان او دينيا يخالف توجهه.

لقد ظهرت هذه التناقضات في كثير من المواقف. خذ مثلا موضوع الاختلاط والذي اطاح بأحد اعضاء هيئة كبار العلماء لانه تطرق الى سياسة ملكية جديدة غير قابلة للجدل او النقاش بينما لا يأبه النظام بأصحاب فتوى ارضاع الكبير وغيرهم الذين يتطوعون بفتواهم بين الحين والآخر. لقد أفرز النظام السعودي تناقضات تطال المجتمع وتخل بأمنه الفكري واستقراره حيث اصبحت الدولة وليس هيئة كبار العلماء هي المفتي الاكبر الذي ربما يتحول الى شيخ الاسلام وهذا ما جعل بعض اطياف المجتمع يبحث عن مصادر اخرى وآراء تختلف عن دولة الافتاء. ونعتقد ان التعددية الحاصلة في السعودية وغيرها من الدول في مجال الفتوى ما هي الا انعكاس طبيعي لمأسسة الاسلام تحت مظلة الدولة المركزية. حينما تنعدم المصادر المستقلة لتلقي العلم الديني وممارسة الطقوس والشعائر وتتصدر الدولة مشروع سيطرة تامة على المجال الديني والروحي والطقوسي عندها تظهر بوادر التشظي والتعددية وهذا امر طبيعي وردة فعل اجتماعية على عملية احتكار الدين وروافده الفكرية فيتطلع المجتمع الى مصادر اخرى يستقي منها رأيا شرعيا وكلما ازداد حصر الدين في مؤسسات واعضاء وهيئات ومجامع شرعية ازداد التوق الى مصادر خارج هذه الاطارات صاحبة الآراء النمطية والتي في مجملها تصب في مشروع واحد وهو اضفاء الصبغة الدينية على قرارات واستراتيجيات سياسية بحتة. وبما ان النظام السعودي قد فشل حتى هذه اللحظة في ايجاد شرعية ورؤية جديدة للحكم سيظل يتعلق بهيئة كبار العلماء وارائها ويحارب اي رأي آخر يتعارض مع فتاواها خاصة تلك التي تتعلق بالشأن العام المسؤول هو عنه. لقد قلص النظام السعودي هيبة هذه الهيئة وقلم اظافرها طيلة عقود سابقة حتى اصبحت خارج الزمان رغم انها داخل المكان لكنه حتى هذه اللحظة يظل متعلقا بها مستنجدا بفتاواها كلما اراد سبغة شرعية لسياسة مسبقة. ويعتمد النظام والهيئة بعضهم على بعض. اذ ان وجود الاول مقترن بالثاني ومعتمد عليه ولو بصورة شكلية هزيلة كما هي الحال منذ فترة طويلة.

ان كان هناك ما يسمى بفوضى الفتاوى فان اسبابها معروفة منها اولا: مأسسة الدين وخضوعه لسلطة الدولة. ورغم ان المعادلة في بلد يدعي انه يتمتع بجذور دينية تتطلب ان تخضع الدولة للدين الا ان النظام السعودي قلب هذه المعادلة واخضع الدين لسلطته. سيطرة الدولة على المجال الديني وانعدام الاستقلالية الاقتصادية والفكرية والاجتماعية للمؤسسات الدينية يدفعان بشدة الى البحث عن منافذ اخرى يستقي منها المجتمع الرأي الديني. ثانيا: انتشار التعليم الديني وكثرة المختصين في التعاطي مع الامور المتعلقة بالشرع تدفع باتجاه تعددية فكرية وتفسيرات قد تختلف او تتفق على امر ما، لقد ولى عصر امام المسجد او فقيه الحي الذي كان المرجع الاول والاخير في المسائل الدينية وله مساحة يحتكرها دون منافس حيث ان المجتمعات السابقة لم يكن لديها التعليم الكافي والقدرة على الوصول الى النصوص الدينية مباشرة فتلجأ الى ذلك الوسيط الوحيد المتوفر. اما اليوم وبفضل التعليم بشكل عام وتوفر المصادر الدينية والمراجع ليس فقط في المنشورات المطبوعة بل حتى الالكترونية نجد ان عمليات الحجر على الفتوى تتعثر امام هذا الزخم الكبير من المعلومات والآراء والمصادر. ولن يحد الامر الملكي السعودي من الاتجاه نحو مصادر تختلف بتفسيراتها وآرائها وفتاواها عن هيئته المعينة الخاضعة لسلطته. ان انتشار التعليم بشكل عام والديني بشكل خاص فتح باب المنافسة على مصراعيه حيث نجد ان الشيوخ وعلماء الدين دخلوا في منافسة حادة فيما بينهم خاصة وان المجال الديني لا يزال مفتوحا كمجال للترقي وكسب الشهرة والجمهور وحتى الثروة الطائلة بعد انسداد المجال السياسي كما هو الحال في بلد كالسعودية وحصر المجال الاقتصادي على فئة معينة تستفيد منه حاليا. وسيلجأ الكثيرون من هؤلاء الطامحين الى اصدار الفتاوى والآراء التي تبهر الجمهور خاصة وان كانت تحظى ببريق اعلامي وردود فعل جدلية تجعلهم محط الانظار والاضواء لفترات زمنية طويلة. ولقد بدأ بعض هؤلاء يقيس نجاحه ليس بمقياس العلم الشرعي بل بمقياس الجمهور في عصر الفضائيات ولن يتوقف هؤلاء عن اصدار الفتاوى فجأة لمجرد سماعهم بالامر الملكي الجديد.

ينسى النظام السعودي ان دولا عربية قد سبقته في مشروع تقنين الفتاوى ومأسسة الدين وقد فشلت هذه المشاريع في الحد من التعددية وتوجه المجتمعات الى البحث عن آراء دينية مختلفة عن تلك التي تصدر من الجهات الرسمية وليس من المعقول ان تنحسر موجة التعددية الدينية الحالية بل هي في طريقها الى الازدياد والتفشي كظاهرة لها جذورها السياسية العميقة وبعدها الاجتماعي وآلياتها الاعلامية التي تسهل تداولها في مجتمعات حتى تلك البعيدة عن بيئتها. ولكن لن يقتنع النظام السعودي ان عصر تأميم الدين وتفسيره قد ولى تحت ضغط الظروف الاجتماعية والتعليمية الحديثة والتي فتحت الباب على مصراعيه امام مجتمعات كانت في السابق مغلقة وغير قادرة على الوصول الى درجة علمية ومعرفية تمكنها من التعرف على النصوص الدينية دون وساطة. اليوم نحن بصدد معطيات جديدة تسهل اولا الوصول الى الرأي الديني مباشرة واستنباط الاحكام وثانيا تعدد الشخصيات التي تعتبر نفسها مؤهلة لان تصدر الاحكام دون الرجوع الى مؤسسات دينية تحت سلطة الدولة المباشرة. من الصعب تجاوز هذه المعطيات والعودة الى الخلف اي الى مرحلة احتكار الدين وتفسيره مهما كثرت الضغوط السياسية والتي هي بالدرجة الاولى معنية بقمع الفكر الذي يخالف توجهها خاصة وان كان هذا الفكر دينيا اذ ان له صفة مقدسة تجعله ينافس آلتها الاعلامية التي تروج لسياسة معينة. جاء الامر الملكي كعاصفة استبشر بها البعض وتوجس منها البعض الآخر الا انه ردة فعل حتمية من قبل نظام يظل قلقا من اي رأي مؤصل شرعيا ينتقص او يشكك في حنكة النظام وسياسته الاجتماعية الشاملة. وان كان النظام قد نجح في قمع الانتقادات لسياسته وخاصة تلك المتعلقة بالاصلاح السياسي الا ان معركته مع تعددية الفتوى قد تطول خاصة وانه امام حشد كبير من المؤهلين لاصدارها نتيجة سياسة تعليمية عمرها اكثر من نصف قرن. وهو امام مجتمع بدأ يبحث عن الرأي الآخر في حقبة زمنية من اهم ملامحها توفر وسائل نقل هذا الرأي والترويج له. لن يستطيع النظام السعودي في المستقبل القريب مهما تكاثرت الاوامر والمراسيم الملكية ان يحد من تعددية توصف زورا على انها فوضى ومن اهم مبادئ التعددية هو القبول بنتائجها مهما كانت تخالف الرأي الرسمي وربما ان التعددية نعمة وفرتها ظروف حديثة انتشلت المجتمع السعودي من الرتابة والملل المرتبط بالرأي الواحد. ومهما استعرضت هيئة النظام فتاواها على القنوات الرسمية فما اسهل ان يتجاوزها المجتمع ويلتفت الى سوق اكبر للافكار والآراء والاحكام اصبح اليوم متوفرا بسهولة فذة.

لقد بدأت مرحلة جديدة هي مرحلة ما بعد مأسسة الدين وتأميمه من قبل انظمة شمولية تدعي القبول بالرأي والرأي الآخر ولكنها تمارس احادية واضحة وصريحة.

' كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية

الخميس، 25 نوفمبر 2010

بشرى للنساء السعوديات والمسلمات: التقدمية تفند فتاوي منع المرأة من الإبحار في الأنترنت


التقدمية تفند فتوى الشيخين عثمان الخميس وسعد الغامدي بتحريم دخول المرأة للأنترنت وتنسخها بفتوى جديدة تسمح لها بدخول عالم التكنولوجيا الحديثة

فتوى التقدمية بخصوص منع المرأة من الدخول الى الانترنت
اعداد الناصر خشيني أستاذ مختص في الدراسات الاسلامية

بسم الله الرحمان الرحيم
وقبل الدخول في مواجهة هذه الفتوى الفضيحة بكل المقاييس والتي تكرس مدى الاستهتار بالدين والتعامل مع المرأة بعقلية سي السيد وعصور الحريم والجواري التي ترفضها الانسانية ومقتضيات العقل السليم وكذلك ما تسير عليه معظم الشعوب الاسلامية من احترام للمرأة ما عدا لدى الفكر الوهابي المتخلف و الذي أدى الى كوارث عديدة بالنسبة لأمتنا منها مساندة قوى الردة والظلام و الرجعية في اليمن في مواجهة العروبة والتقدم خلال الستينات من القرن الماضي الى مساندة العدوان على العراق الى التمسك بخيار الاستسلام للعدو الصهيوني وهذا كله نابع من الفكر المتخلف الذي لا يتناسب مع روح العصر ولا مع مقتضيات عدالة الاسلام لذا فان جرأتنا عليهم نابعة من مخالفتهم لأبسط قواعد الدين التي يجهلونها وقد صدرت عن الشيخين الوهابيين عثمان الخميس و سعد الغامدي فتوى تحريم الانترنت على المرأة بسبب خبث طويتها كما يزعمان خلافا لأحكام الاسلام الحنيف وهذه صورة من هذه الفتوى
فتوى الشيخين عثمان الخميس وسعد الغامدي في تحريم الانترنت على المرأة بسبب خبث طويتها ولايجوز لها فتحه إلا بحضور محرم مدرك لعهر المرأة ومكرها، نسأل الله الثبات!

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين وبعد،

فإن النساء مخلوقاتٌ كسائر مخلوقات الله، لكن فيهنّ ضعفاً بيّناً وهوى يأخذهن صوب الحرام إن لم تجعل الضوابط الشرعية قائمة في المجتمعات التي يقمن فيهن. وحكم دخول المرأة للإنترنت حرام حرام حرام. ففي هذه الشبكة من مواضع الفتنة ما قد لا تتمكن المرأة بضعف نفسها على مقاومته. ولا يجوز الدخول لها على مواقع الشبكة ما لم يكن برفقتها أحد المحارم الشرعيين ممن يعرفون بواطن النساء ومكرهن وضعفهن أمام الجنس والهوى، كما قد فصّل ذلك فضيلة الشيخ سعد الغامدي في فتوى طويلة مدعومة بالأدلة الشرعية الثابتة.
كتبه/ عثمان الخميس.


وللموضوعية فاني وجدت في بعض المواقع تكذيبا  من الشيخ عثمان الخميس لهذه الفتوى دون الشيخ الغامدي حيث يذكر في بعض المواقع أن هذ الأخير له فتوى مدعمة بالشواهد والأدلة الشرعية وبناء عليه فان شبهة الفتوى قائمة في حقهما وهناك من رقمها للتأكيد على صدورها منهما ولذا نؤكد في مواجهة مثل هذه الفتوى على أن الدين الاسلامي يؤكد في القرأن الكريم على أن المرأة قد حررها في نطاق تحريره للانسان ككل و بالتالي فلا مجال لتكون تابعة للرجل أو ناقصة عقل أو دين وذلك أن الوهابيين يعتمدون في هذه الفتاوى على طرح تقليدي ظهر منذ أكثر من ألف سنة حيث كانت المرأة مهانة على خلاف ما بشر به القرآن من قيم ثورية تحرر الانسان مهما كان جنسه أو لونه أو مكانته الاجتماعية قال تعالى في محكم تنزيله وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ 228 البقرة وقد وردت ضرورة معاملة المرأة بالمعروف في حوالي عشرين موضعا من اثنين و ثلاثين موضعا وردت فيها كلمة المعروف في القرآن فكيف لم يتفطن مشايخ الوهابية لهذا وهم يحفظونه عن ظهر قلب  ولكن لا يفقهون منه شيئا وذلك إن الفتوى من الأمور الجليلة الخطيرة، التي لها منزلة عظيمة في الدين، قال تعالى: (ويستفتونك فى النساء قل الله يفتيكم فيهن...) [النساء: 127] . وقال تعالى: (يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة...) [النساء: 176] ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتولى هذا الأمر في حياته، وكان ذلك من مقتضى رسالته، وكلفه ربه بذلك قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون) [النحل:44] . والمفتي خليفة النبي صلى الله عليه وسلم في أداء وظيفة البيان  ولكنهم بدلا من العودة الى القرآن الكريم وما صح من الرسول من أحاديث فانهم يعودون الى أقوال علماء بالتأكيد يخضعون في أقوالهم لظروف عصرهم فما يقال في عصر قد لا يصلح لعصر آخر ولكن عندما يكون بعيدا عن روح الشريعة و يتمسك برؤية الحاكم الذي هو أصلا جاهل حتى بأصول القراءة و الكتابة فضلا عن العلم بالدين الاسلامي فمن الطبيعي أن تكون فتاواهم بعيدة عن الحق و المنطق والدين وبناء عليه نرى أن منع المرأة من الدخول الى الانترنت الا بحضور محرم لها مخالف تماما لواقع المساواة وتكريس لعصور الحريم وأنه يجب بديلا عن ذلك تحصين المرأة بالتربية الحسنة و تحميلها مسؤوليتها عما تقوم به من أفعال أما الحصار و الاغلاق فهي من الأساليب القمعية و غير الديمقراطية المخالفة للشريعة الاسلامية وحيث ان القرآن يشير في غير ما موضع الى تكريم المرأة وكذلك فعل الرسول في حياته وما استقر عليه تصرفات المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها بما يعد اجماعا اسلاميا على اباحة أن تدخل المرأة الى عالم النت وهو حلال تما ما عليها كما الرجل دون تفرقة ه\ا هو رأينا في هذه المسألة وهو في النهاية موقف بشري قابل للصواب كما أنه عرضة للخطا والسلام عليكم و رحمة الله وبركاته والى اللقاء في فتوى أخرى من فتاوى التقدمية .

قصة ياسر عرفات أسد الجبارين


قصة ياسر عرفات أسد الجبارين: رفض مشاريعهم فاغتالوه بالسم

الفرنسيون أحبوه والأمريكيون جافوه والعرب اختلفوا حوله

بقلم رياض الصيداوي
 مدير مركز الوطن العربي للابحاث والنشر
ورئيس تحرير التقدمية


انشغلت منذ بضعة أشهر بالبحث والتنقيب في شخصية الزعيم الراحل ياسر عرفات بغاية تأليف كتاب حوله. استهوتني هذه الشخصية التي أصبحت رمزا للقضية الفلسطينية. فأبو عمار أكثر من قائد يقود الرجال في المعركة لأنه ببساطة فاق الدور الذي رسمه لنفسه ليتحول إلى رمز لآلام شعبه ورمز لتطلعاته إلى الحرية والاستقلال. واعترف أن ياسر عرفات لم يكن يستهويني كثيرا في الماضي حيث كانت شخصية جورج حبش أقرب إلى قلبي وفكري. وأذكر أنني التقيت ب"الحكيم" في تونس وأجريت معه حوارا لصحيفة "العرب" اللندنية في بداية سنة 1991، أي قبل قصف بغداد من قبل قوات التحالف ببضعة أسابيع. ومازلت احتفظ بالتسجيل للتاريخ. وأذكر أن حبش قال لي بالحرف الواحد نحن الآن مع أبي عمار في خندق واحد. ومن المفيد التذكير بأن الرجل نافس عرفات طويلا على قيادة الثورة الفلسطينية، وكان تنافسهما شريفا ومبدئيا. وسوف يذكر التاريخ للحكيم كيف حذر أبو عمار ذات مرة من محاولة اغتيال دبرتها له دولة عربية، فأنقذه من موت محقق. وسوف يذكر التاريخ للحكيم أنه فهم المرحلة السياسية التي تخوضها الثورة الفلسطينية وأدرك معنى انهيار الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة..فوصل إلى نتيجة ضرورة ترك أبي عمار يقود السفينة وتنحى عن الطريق بصمت وشجاعة وأنهى مرحلة التنافس بشرف. لقد نشأت علاقة احترام وحب بين الطرفين منذ بداية الكفاح والتزم كل منهما خطا أحمرا لا يتجاوزه في صراعه مع الآخر. أما رفاق أبي عمار الآخرين الذين اتهموه مرة ب"الخيانة" ومرة أخرى ب"ترك الخنادق من أجل الفنادق"..وزايدوا عليه "ثوريا"، فإن صوتهم اختفى الآن كما أن بنادقهم التي رهنوها لدول عربية شقيقة لم تطلق رصاصها..وحده أبو عمار واصل الكفاح مستخدما كل الأساليب المتاحة : الكفاح المسلح تارة، والتفاوض تارة أخرى، ثم أخيرا سلاح الانتفاضة.


محترف الكاميرا
لقد رأيت ياسر عرفات لأول مرة في تونس في فندق "أميلكار" في بداية التسعينات. وأذكر أني حضرت الندوة الصحفية التي أقامها مع وزيرة الخارجية آنئذ مادلين أولبرايت في مقر السفارة الأمريكية في جنيف منذ بضعة سنين خلت. وشد انتباهي الحشد الهائل من الصحافيين والإعلاميين الذين حضروها. فأبو عمار "محترف" أمام كاميرات التلفزيون وعدسات المصورين. والمرة الأخيرة التي رأيته فيها كانت في منتجع "دافوس" السياحي في سويسرا أثناء مؤتمر دافوس العالمي سنة 2000. وكنت أغطي المؤتمر لتلفزيون عربي. وأذكر أن كاميرات صحافيي ومصوري العالم جميعا قد تركت رؤساء الدول ورؤساء الحكومات ورؤساء الشركات الكبرى لترابط أمام الفندق الصغير الذي وصل إليه عرفات.
وأقر أن كتبا كثيرة كتبت عن عرفات، حيث تميزت الكتب الأمريكية ببعض الجفاء تجاهه في حين عامله الكتاب الفرنسيون بتعاطف كبير وإعجاب واضح وانقسم الكتاب العرب الذين تناولوه بين هجاء ومدح حسب مصالح دولهم! 

قدر مع الحياة
ولأبي عمار قصة أخرى مع ثنائية الموت والحياة ، فالرجل شارف الموت مرات كثيرة في حياته ولكنه ينجو كل مرة منها بقدر ومعجزة إلهيين. فلا محاولات الاغتيال تمكنت منه رغم أنها حصدت أرواح رفاقه المخلصين من أبي جهاد إلى أبي أياد، ولا حتى حادث سقوط طائرته في الصحراء الليبية مسه بسوء..رغم أنه حادث يندر النجاة منه، كل مرة يعيش بمعجزة مستجيبا لقدره في أن يحيا ويواصل مسيرة كفاحه من أجل فلسطين.
وهو اليوم محاصر من قبل دبابات شارون، مغضوب عليه أمريكيا، متجاهل من قبل أغلب الحكومات العربية..ويواجه كل ذلك بعناد وصبر كبيرين. فالرجل تعود على الحصار وخرج منه دائما سالما أكثر عزما منه من قبل. وكثيرا ما كان حصار "الأشقاء" أشد مرارة على قلبه من حصار الأعداء. والذين يراهنون على عزله وتعويضه بأحد مساعديه يعيشون وهما كبيرا لأن من يحاول أن يأخذ مكان عرفات وهو مازال حي يرزق ينتحر بنفسه أمام الشعب الفلسطيني. ونذكر جميعا منذ بضعة أيام خلت كيف غضب الزعيم على قائد جهاز الأمن الوقائي بالضفة الغربية، جبريل الرجوب، وشهر مسدسه في وجهه..وكيف عاد إليه هذا الأخير مؤديا التحية العسكرية وواضعا نفسه تحت إمرته كجندي تحت تصرف قائده. وصفح عنه أبو عمار كما صفح عن الكثيرين من قبله. 

أبو عمار المقاتل

في بداية شبابه، لم يكن ياسر عرفات يؤمن بسبيل آخر لتحرير فلسطين غير الكفاح المسلح. وقد شارك في القتال مبكرا رغم صغر سنه. أعرض الآن مشهد أول معركة مسلحة يخوضها أبو عمار.
كلف القائد المصري الذي يقود كتيبة طلبة متطوعين للقتال في فلسطين سنة 1948 طالبا فلسطينيا اسمه محمد ياسر القدوة بمهمة إطلاق قذيفة مورتر على أول مصفحة تتصدر الرتل الإسرائيلي قريبا من مدينة غزة. كان الكمين محكما وكانت مهمة الطالب الفلسطيني ستكون الأكثر حسما في نتيجة المعركة. تقدمت المصفحات وأطلق محمد ياسر القذيفة وأصابت الهدف وتوقف الرتل وتعالى الدخان الذي كان كثيفا..فسهلت مهمة المقاتلين في المعركة. كانت أول حربا مسلحة يخوضها من سيصبح اسمه فيما بعد ياسر عرفات أو ابو عمار. كان الشاب يؤمن إيمانا عميقا بأن طرد اليهود لن يتم إلا عبر القوة المسلحة.

خيبة الأمل

لكن الضابط المصري الكبير الذي جاءهم باسم تحرير فلسطين تقدم من عرفات ورفاقهم وطلب منهم تسليم أسلحتهم. علق عرفات لاحقا على الحدث قائلا "لا يمكنني أبدا أن أنسى ذلك المشهد. كنت في غزة حينما جاء ضابط مصري إلى مجموعتي وطلب منا أن نلقي بالسلاح. في البداية لم أكن أصدق ما أسمع. قلنا للضابط : لماذا ؟ فأجابنا الضابط بأن ذلك أمر من الجامعة العربية. كان احتجاجنا بلا صدى إجابي. وأعطاني الضابط وصل تسلم لبندقيتي مع وعد بإعادتها لي بعد انتهاء الحرب". انتشر الكلام عاليا لدى الفلسطينيين الذين قالوا أن عدوهم الأول بعد الإسرائيليين هم العرب أنفسهم. فقد انسحبت جيوشهم جميعا من المواقع التي احتلوها وحتى من مواقع كانت محررة من قبل بسبب قرار التقسيم. فباستثناء الجيش الأردني الذي حافظ على الجزء العربي من القدس فقد تراجع البقية..كان الجميع يهتف علنا أم همسا : خيانة ! بعد أربع سنوات فقط جاء جمال عبد الناصر إلى الحكم في مصر ليؤكد رأي الفلسطينيين في أن ما حدث كان خيانة وتحدث عبد الناصر طويلا عن الأسلحة الفاسدة وعن المرارة التي كان يشعر بها الضباط المصريون المحاصرون بسبب خيانة قيادتهم في القاهرة.

وكان الأمين العام للجامعة العربية عبد الرحمان عزام في المشهد أيضا فقد أعلنت جامعته يوم 10 يونيو / حزيران 1948 وقفا لإطلاق النار لمدة ثلاثين يوما. خرج يومها عزام باشا من مكتبه متمتما "لن يغفر لنا الشعب العربي أبدا ما فعلناه لفلسطين".
المهم، أن الشاب عرفات تأكد له أن تحرير فلسطين لن يتم إلا عن طريق الفلسطينيين أنفسهم وأن العرب، باستثناء الدعم الكلامي أو بعض الأموال، لن يقدموا لفلسطين كثيرا. وعادت به الأيام إلى طفولة بعيدة في أحد أحياء القاهرة المزدحمة.

من هو ومن أين جاء؟
الإسم الرسمي المسجل لابي عمار في دفتر الحالة المدنية هو محمد ياسر القدوة حيث تمت ولادته في مدينة القاهرة يوم السبت 29 أغسطس 1929. وهي السنة التي اشتد فيها القتال بين المقاومين العرب الفلسطينيين من جهة وقوات الاحتلال البريطاني وحلفاؤهم من اليهود من جهة أخرى. ولكن ما الذي دفع بعبد الرؤوف القدوة والد ياسر عرفات إلى الانتقال إلى مدينة القاهرة بدل العيش في فلسطين ؟ هناك إجابتان شائعتان : الأولى تقول أن رحيله كان بسبب طرد البريطانيين له ونفيه لما أبداه من أنشطة نضالية في مقاومتهم. أما الثانية، وهي الأكثر خبثا، فتقول أن السبب الحقيقي هو بيع والد عرفات لأراضيه لليهود نظرا للأسعار المغرية التي عرضوها عليه. كان الرجل ميسورا فهو تاجر معروف ولكنه اختار تأسيس مشروعا آخر في القاهرة يتمثل في مصنع للأجبان. عوائد هذا المصنع وأرباحه كانت تذهب إلى فلسطين لدعم المقاومة والعائلات الفقيرة. من المؤكد أن عبد الرؤوف القدوة كان شديد الكرم ولم يكن تاجرا جشعا لا تهمه إلا مصلحته الخاصة. وكان ترتيب عرفات السادس في عائلة تتكون من سبعة أبناء. أمه تسمى زهوة (الاسم الذي أطلقه عرفات على ابنته لاحقا)، وهي امرأة منحدرة من عائلة أبو سعود القاطنة بالقدس. وتتميز بخصال حميدة منها قوة الشخصية وحرارة التواصل مع الآخرين. أما أبيه فينتمي إلى فرع الحسيني بغزة على عكس الشيخ أمين الحسيني الذي ينتمي إلى الفرع الأقوى المتمركز في مدينة القدس. 
أبو عمار إذن قاهري المولد، نسبة إلى مدينة القاهرة، نشأ في أحيائها وأزقتها وهو ما أكسبه حب مصر مبكرا والالتجاء إليها كلما عاش موقفا صعبا يبحث فيه عن من ينجده. كما عاش طفولة غير عادية حيث استهواه النضال مبكرا وسرق منه كل سنوات عمره : الطفولة والمراهقة والشباب والكهولة ولم يتفطن لضرورة الزواج إلا وهو شيخ تجاوز الستين.
لما كان محاصرا من قبل دبابات شارون حيث لا توجد إلا مسافة بضعة أمتار بينه وبين فوهة أول مدفع موجه نحوه، لم تفت أبو عمار فرصة وضع مسدسه فوق الطاولة جنبا إلى جنب مع هاتفه النقال. فالأول هو البندقية التي هدد بها لما ألقى كلمته لأول مرة على منبر الأمم المتحدة في نيويورك. والثاني، أي الهاتف النقال هو غصن الزيتون الذي لوح به ذات يوم على نفس المنبر، ووظيفته هي العمل الدبلوماسي والاتصالات السياسية. تلك هي ثنائية الكفاح والتفاوض عند ياسر عرفات التي لازمته منذ تأسيس حركة "فتح" إلى يومنا هذا. فالكفاح السياسي بدون سياسة ودبلوماسية وأهداف واضحة هو انتحار. وكذلك السياسة بدون قتال ونضال هي ترف لن يحرر فلسطين ولا أي شبر منها. ربما لأجل هذه الثنائية اتهم أبو عمار تارة ب"الإرهابي" من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني وتارة أخرى ب"الانهزامي" و"المسالم" ورجل "الفنادق بدل الخنادق" من قبل بعض التنظيمات الفلسطينية الصغيرة أو من قبل بعض الأنظمة العربية المدعية لثورية خطابية سرعان ما تختفي عن ساحة الفعل حينما يحين الجد، حيث تلتجئ بسرعة إلى تهدئة الوضع والتفاوض مع إسرائيل سرا. أبو عمار أدرك منذ سنة 1948 كل هذه المناورات وعرف الفرق بين الخطاب والممارسة. وفهم أن تحرير فلسطين لن يتم بالخطب ولا بالمزايدات الثورية الشعارتية الخالية من أي برنامج حقيقي للتحرير. 
هذا الشبل من ذاك الأسد. ينطبق هذا المثل على كتائب شهداء الأقصى. هذا التنظيم السري المحكم الذي أثار الخوف والبلبلة في نفوس الإسرائيليين بعملياته الجريئة وشجاعة مناضليه وقادته..لم يأت من فراغ. لقد خرج من أحضان التنظيم الأم أي حركة "فتح". ول"فتح" قصة مع التاريخ في الكفاح المسلح أولا وفي الدبلوماسية ثانيا. وكلمة "فتح" هي اختصار لاسم التنظيم : حركة التحرير الفلسطيني. وقد اضطر الفلسطينيون لاختصار الاسم بالمقلوب فعوض أن تكون "حتف" (وهو ما يعني الموت في اللغة العربية) فقد استعملت كلمة "فتح" لما لهذا التعبير من دلالة ومغزى لدى العرب والمسلمين.

الرحيل إلى الكويت

من الممكن القول أن قدر حركة "فتح" ارتبط بقدر الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات نفسه. وحينما نتحدث عن الصدف وتعدد الاختيارات لدى البشر..فإن التاريخ كثيرا ما يكون غير عقلاني. فتأسيس حركة "فتح" ارتبط بسلسلة أحداث مترابطة تارة ومتقطعة متنافرة تارة أخرى. ولعل بداية الخيط كانت بعد زيارة المناضل الشاب عرفات إلى العراق والتقاؤه بالضباط الأحرار العراقيين وعلى رأسهم عبد الكريم قاسم وعبد السلام عارف، الذين كانوا بصدد إعداد ثورة للإطاحة بالملكية العراقية وبنوري السعيد وتباحثه معهم في أمر فلسطين والعراق وشؤون العرب عامة. فعند عودته إلى القاهرة، استدعته المخابرات المصرية وحققت معه كما ضيقت عليه أجهزة الأمن المصرية الحصار ورصدت حركاته وسكناته بالإضافة إلى طرده من عمله في مصر. ووصل الشاب المتحمس إلى ضرورة الخروج من مصر والاتجاه إلى دول الخليج حيث قبل أول عرض عمل جاءه من الكويت. وقبل ذلك سبقه صديقه خليل الوزير بأن وقع عقد عمل كمدرس في المملكة العربية السعودية والذي سرعان ما غير وجهته هو أيضا ملتحقا بصديقه في الكويت. 

الابتعاد عن دول المواجهة

هذا الانتقال المكاني في تاريخ الشاب الثوري عرفات شكل منعرجا حاسما في تاريخه الشخصي بشكل خاص وفي تاريخ الثورة الفلسطينية بشكل عام. فمصر دولة مواجهة مع إسرائيل وهي مرتبطة معها باتفاقية هدنة عسكرية ويوجد وقف حقيقي لإطلاق النار بين الدولتين. ومن ثمة لن تسمح دولة مصر لأي نشطاء فلسطينيين بالعمل من خلال الأراضي المصرية. وهي قاعدة ستتكرر دوما مع كل الدول العربية المواجهة. فسوريا لم تسمح للمقاومة الفلسطينية بالانطلاق من ترابها لأنها غير مستعدة لتلقي ضربات الانتقام الصهيونية. وكذلك الأمر بالنسبة لدولة الأردن الذى وصل فيها الوضع مع الفلسطينيين إلى حد التقاتل في أيلول 1970 وحدوث مجزرة رهيبة في حقهم. وحتى لبنان لم يعد يسمح بأن تكون أراضيه قاعدة انطلاق الكفاح الفلسطيني المسلح منذ خروج أبو عمار من بيروت سنة 1982 على اثر الاجتياح الإسرائيلي.
أدرك أبو عمار مبكرا أن دولة عربية بعيدة غير مواجهة مباشرة لإسرائيل هي أفضل بكثير للفلسطينيين من دول المواجهة. فهي ستعطيهم الوقت الكافي للتنظيم دون الخوف من التدخل الاستخباراتي للدولة العربية المضيفة من جهة أو الخوف من عمليات الانتقام العسكرية للكيان الصهيوني من جهة أخرى. لهذه الأسباب مجتمعة شكلت الكويت قاعدة جيدة لانطلاق المقاومة. كما استعاد أبو عمار لاحقا هذا الاختيار عندما اختار الانتقال إلى تونس بدل دولة عربية من دول المواجهة عندما أخرج من بيروت، آخر معاقله القوية على أرض عربية متاخمة لإسرائيل.

المال والثورة

في الكويت، اشتغل عرفات لبعض الوقت في وزارة الأشغال العامة، حيث غادرها ليؤسس شركة خاصة به. نجحت الشركة وحققت أرباحا كثيرة. لقد انتبه أبو عمار مبكرا لأهمية المال في النضال السياسي والعمل الدعائي. وخلفيته العائلية كابن تاجر ناجح جعلته لا يجد حرجا أبدا في إدارة أعماله واستثمار أمواله، التي أصبحت أموال الثورة الفلسطينية، بشكل محترف وذكي جنبا إلى جنب مع قيادة الكفاح المسلح والعمل الدبلوماسي. وهي من النقاط التي حاول منافسوه اليساريون في الثورة الفلسطينية التركيز عليها لإضعافه أمام الرأي العام الفلسطيني والعربي. لكن أبو عمار قلب المعادلة ونجح بهذه الأموال في تأسيس مؤسسات الثورة الفلسطينية التي أثبتت نجاعتها وكانت نواة حقيقية لأي دولة فلسطينية قادمة. وحقيقة تبدو شخصية أبو عمار المثيرة لكثير من التساؤلات محل حيرة لبعض المتتبعين لمسيرته. فالرجل يبدو في بعض الأحيان وكأنه رجل أعمال كبير وناجح. وتقول بعض التقارير المنشورة أن أمواله طائلة، وأن استثماراته في جميع أرجاء العالم كبيرة وبخاصة في أروبا. هذه النقطة الحساسة أثارت انتباه جهاز المخابرات الصهيوني "الموساد" الذي أراد استغلالها لتحطيم صورة ياسر عرفات لدى الرأي العام الفلسطيني والعربي والعالمي. يعترف عميل الموساد الإسرائيلي فيكتور أوستروفسكي في كتابه (الموساد : عميل الأجهزة السرية الإسرائيلية يتحدث) الذي أثار ضجة كبيرة عند صدوره باللغة الإنجليزية في أمريكا سنة 1990، بمحاولة الموساد تشويه ياسر عرفات فيقول (صفحة 232، الطبعة الفرنسية) "لقد استخدم الموساد ضد بعض القادة العرب تهمة العيش الرغيد والمرفه الذي يعيشونه منتفعين من النظام القائم. غير أن الأمر مع ياسر عرفات يختلف، فهو دائم الالتصاق بشعبه يعيش معه بكل تواضع. وعند حصار بيروت، كان بإمكانه أكثر من مرة الهرب والنفاذ بجلده لكنه لا يفعل ذلك إلا بعد أن يبعد الفلسطينيين الآخرين عن الخطر. فالموساد لا يستطيع إذن اتهامه بكونه لا يفكر إلا في مصالحه الخاصة". هذه الشهادة الموثقة، يعترف فيها الموساد بعجزه التام عن تشويه صورة الزعيم الفلسطيني. 

تأسيس "فتح"
وفي الكويت أيضا، نشط الشاب عرفات مع خليل الوزير في تجميع الفلسطينيين والربط بينهم، وكانت السلطات الكويتية تغض النظر على أنشطتهم رغم كونها مازلت تحت الاحتلال البريطاني. كما وصلت هذه النواة الأولى إلى نتيجة ستكون محددة لمسار الثورة الفلسطينية وهي أن لا حل بدون كفاح مسلح. ومن ثمة يجب إذن تركيز كل الجهد على تنظيم المقاومة العسكرية حيث حددت أهدافها الإستراتيجية : أولا تذكير العالم بمأساة فلسطين وأن هناك أرضا اغتصبت بدون وجه حق وشعبا تم تشريده ظلما في الخارج أو تم اضطهاده قهرا في الداخل. ثانيا، تأكيد هوية فلسطينية مستقلة عن غيرها من الهويات العربية والإسلامية. ثالثا، حق هذا الشعب في وطن ودولة خاصة به. والغريب في الأمر أن عرفات ورفاقه كانوا يمثلون أقلية في هذا المشهد. فأغلب الفلسطينيين سلموا أمرهم لحركة القومية العربية الصاعدة في ذلك الوقت بقيادة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. حيث كانت الآمال معقودة عليها في تحرير فلسطين وتوحيد الأمة العربية. ولم ير أغلب الفلسطينيون ضرورة لتشكيل تنظيم مستقل عن هذه الحركة أو مواز لها. وحقيقة، وكلت أغلب الجماهير الفلسطينية والعربية في هذه المرحلة مسؤولية تحرير فلسطين إلى عبد الناصر.

تأسيس الخلية الأولى
وذات مساء، وفي منزل الشاب المناضل ياسر عرفات اجتمع خمسة شبان وقرروا تأسيس الخلية الأولى لحركة "فتح" التي اعتمدت السرية أسلوبا والكفاح المسلح منهجا وتحرير فلسطين غاية. لم يكن جميعهم مستعدا نفسيا ولا جسديا لتحمل هذا العبء الثقيل. فليسوا جميعا أبا عمار. ففي اليوم الموالي قدم عضو استقالته لعدم قدرته على تحمل ضغوط الحياة الجديدة. أما العضوان الآخران فقد استقالا بعد بضعة سنين. واحد منهم يعمل اليوم كأستاذ رياضيات في الكويت والثاني يمتلك محلا تجاريا في نفس البلد. لم تحافظ خلية "فتح" الأولى إلا على اثنين فقط من أعضائها وهما ياسر عرفات ورفيق دربه خليل الوزير.

صحيفة "فلسطيننا"

اعتقد عرفات مبكرا، وكان اعتقاده صحيحا، في ضرورة إسماع صوت فلسطين إلى العرب ثم العالم عبر الصحافة. إن كل حركات التحرر الكبرى في العالم وكذلك الثورات بدأت دائما بصحيفة وبمجموعة مقالات متحمسة. فالصحيفة مثلت دوما نقطة الانطلاق لاندلاع ثورة. وهو ما فعله الشاب عرفات حينما وظف أرباحه التى حصل عليها من مشروعه التجاري في إنشاء جريدة سماها "فلسطيننا". وصدر العدد الأول في شهر فبراير 1959. وكانت افتتاحياتها تمضى باسم "فتح" واعتقد بعض القراء أن هذا الاسم هو اسم رجل يشغل منصب رئيس تحرير الصحيفة أو مديرها. فكان بعضهم يبعث برسائله "إلى السيد المحترم فتح...". وكانت الصحيفة تطبع في بيروت، لكنها تحرر في الكويت، حيث انشغل عرفات بكتابة المقالات أو جمعها في حين انشغل خليل الوزير بتجميع الصور. وركزت "فلسطيننا" توزيعها على المخيمات الفلسطينية في سوريا. وكانت الصحيفة مصدر خطر لمن يوزعها أو لمن يقرؤها. وكان خليل الوزير يخاطر بحياته نفسها كل مرة يعبر الحدود اللبنانية السورية بسيارة مليئة بنسخ "فلسطيننا". سيستفيد أبو عمار لاحقا وباستمرار من هذه التجربة، حيث سيركز على الدعاية الإعلامية للقضية الفلسطينية بشكل عام وعلى موهبته الفذة بشكل خاص في الوقوف أمام عدسات الكاميرات العالمية. سيصبح الإعلام عنده سلاح فعال لا يقل أهمية عن سلاح المقاتلين إن لم يفوقه في بعض الأحيان. 

نجاح التجربة
لقد نجحت التجربة وجاءت ثمارها بسرعة. فقد اعتقدت مجموعات شباب فلسطينية كثيرة أن حركة "فتح" هي تنظيم قوي بعدد رجاله وبميزانيته الكبيرة وهو ما يفسر حسب رأيهم قدرته على إصدار منتظم لصحيفة وتوزيعها بشكل جيد. وبدأت هذه المجموعات في الاتصال بعرفات وخليل الوزير حتى تلعب دورها في عملية الكفاح من أجل تحرير فلسطين. وقد توصلت عبقرية خليل الوزير إلى ضرورة تنظيم هؤلاء الشباب بأسلوب غير كلاسيكي هرمي وإنما عبر خلايا صغيرة مستقلة الواحدة عن الأخرى وكل خلية مسئولة على تدبير حالها من ناحية التمويل أو انتداب مزيد من المناضلين..كل ذلك تفاديا لأجهزة المخابرات العربية التي انتبهت مبكرا للنشاط الفلسطيني محاولة اختراقه أو تعطيله أو احتوائه. هذا الأسلوب التنظيمي اتبعته "فتح" إلى يومنا هذا وقد أثبت نجاعته أثناء الانتفاضتين الأولى والثانية. 
ولمزيد من السرية التي يجب أن تحيط بقادة ومناضلي "فتح" تم استخدام الألقاب العربية التقليدية التي يسمى الرجل فيها باسم ولده البكر. فخليل الوزير أصبح معروفا باسم أبو جهاد، وصلاح خلف اشتهر باسم أبو إياد، وخالد الحسن أصبح أبو سعيد وفاروق القدومي صار أبو اللطف..أما عرفات الذي قال أنه تزوج فلسطين فقد اختار اسم أبو عمار تيمنا بعمار الرجل الذي ناصر النبي محمد صلى الله عليه وسلم وهو ضعيفا وتحمل في سبيل نصرته الأهوال والعذاب الكثير..

صراعات "فتح الداخلية"
حركة "فتح" ليست نشازا بين التنظيمات العربية أو حتى العالمية المختلفة حينما يتعلق الأمر بالصراعات الداخلية. فقد اخترقت "فتح" تيارات وأجنحة وحدثت فيها انشقاقات واندلعت فيها معارك تجاوزت في بعض الأحيان مجرد الصراخ بصوت عال إلى استخدام السلاح وحتى المدافع بين رفاق الدرب الواحد. وكان على أبي عمار دائما أن يخرج من هذه المعارك إما منتصرا أو منسحبا بأقل ما يمكن من الخسائر.
فهذا التنظيم الصغير الذي ضم في يومه الأول خمسة مناضلين أصبح بعد سنوات يضم عشرات الآلاف. وكان لا بد لحركة "فتح" أن تواكب هذا التغيير وأن تصبح تنظيما مؤسساتيا وديمقراطيا يمكنه الاستجابة لتحديات جديدة أكثر طموحا ولتعقيدات كبيرة شهدتها الساحة العربية في سنوات الستين. ولكي يتم ذلك تم تأسيس "اللجنة المركزية" التي عقدت مؤتمرها في شهر فبراير 1963. وقد برز منذ بداية الأشغال تيار جديد داخلها شكله الوافدون الجدد. هؤلاء الوافدون الجدد جاؤوا خاصة من الكويت ويتميزون بمستوى تعليمهم الجيد إضافة إلى ترفهم المادي وكان ممثلهم الأول رجل اسمه خالد الحسن. 
ولد خالد الحسن في مدينة حيفا سنة 1928، سنة تأسيس الإخوان المسلمين لحركتهم في مدينة الإسماعيلية في مصر. وهو ابن لقاض شرعي محترم. وقد هرب سنة 1928 إلى إفريقيا بمساعدة البريطانيين وذلك على إثر احتلال اليهود للمدينة. وقد انتقل فيما بعد إلى المشرق العربي محاولا تنظيم المقاومة الفلسطينية في سينا في مصر أو في دمشق عاصمة سوريا. لكن الأمر انتهى به إلى الكويت حيث وجد المال وكثير من الكوادر الفلسطينية التي سبقته إلى هناك. وقد حاول تأسيس حزب سياسي فلسطيني لكنه التقى بعرفات فتغيرت برامجه وانضم إلى حركة "فتح".

انقسام داخل القيادة المركزية
أصبحت القيادة المركزية موزعة الآن على عشرة أعضاء بمن فيهم ياسر عرفات صاحب الشخصية القوية ذات الإشعاع الكاريزمي. ولكن خالد الحسن يريد الحد من نفوذ هذه الشخصية ملتجئا إلى شعار وجوب الديموقراطية داخل التنظيم. ولكن أخطر شيء في أطروحة هذا التيار الجديد الذي يقوده خالد الحسن هو معاداته للكفاح المسلح واختياره فقط للعمل السياسي. ودافع الرجل عن رأيه هذا لاحقا "كنا نعتقد أن الوقت لم يحن بعد لاندلاع العمل العسكري. حيث ساد الاعتقاد أن استفزاز إسرائيل سيولد رد فعلها العنيف. والأنظمة العربية لم تكن مستعدة للحرب. فكنا سنقع حتما بين المطرقة والسندان..وكان رأينا أن نمر أولا بمرحلة توسع سياسي، وهذا يعني تنسيق حركتنا مع بقية العرب". 

رأي عرفات
أما عرفات فكان رأيه معاكسا تماما. يجب القتال حتى تثبت الهوية الفلسطينية محليا وعربيا ودوليا من جهة وحتى تثار عزيمة العرب من جهة أخرى. فلا يجب ترك الأنظمة العربية غارقة في وضعية لا سلم ولا حرب مع إسرائيل..لكن الرجل وجد نفسه ممثلا للأقلية داخل اللجنة المركزية. ووجد أن القيادة الجماعية ل"فتح" ستكون عبئا عليها وليست سندا لها. فكان عليه أن يناور يمينا ويسارا مع رفيقه المخلص أبي جهاد حتى يتمكن من تحقيق غايته في اندلاع الثورة المسلحة. وكانت خطتهما ذكية حيث أقر عزمهما على تشريك هاني الحسن، الأخ الأصغر لخالد الحسن في تفجير الثورة المسلحة. لقد تم اختيارهما على هذا الشاب المتحمس لعدة أسباب فهو أولا أخ خالد الحسن وثانيا موهبته القيادية والتنظيمية حيث نجح في تجميع وتنظيم 68 ألف طالبا وعاملا فلسطينيا مهاجرا في ألمانيا الفدرالية (الغربية أنذاك). قام خليل الوزير بدعوة هاني الحسن إلى مكتب فلسطين في الجزائر وشرحوا له أسباب خلافيهما مع أخيه وقال له عرفات "هاني، إننا في حاجة إلى رفاقك الطلاب، فلنجمع مقاتليك المتطوعين مع فدائيينا". وأجابه الشاب قائلا "موافق، ولكنهم سيذهبون أيضا للقتال في الأردن! أنت تعرف أن تنظيمي يطالب بتحرير الأردن". لكن أبو عمار أجابه بحنكته المعهودة حينما يتعلق الأمر بالتعامل مع الأنظمة العربية "كلا، كلا، أفعل كل ما تشاء، لكنني لا استطيع أن أتصور للحظة واحدة مقاتلة الملك حسين". ونجح خليل الوزير في اليوم الموالي في إقناع هاني الحسن بأطروحة عرفات واهما إياه بقوة "فتح" وقدراتها العسكرية حتى أنه حدثه عن امتلاكها لطائرات هيلوكبتر.
كان انتصار سياسي حقيقي لرفيقي الدرب أبو جهاد وأبو عمار. ورغم أنهما استخدما كثيرا من المناورات وفي بعض الأحيان إيهام الآخرين بحقيقة قوتهم مبالغين فيها عشرات الأضعاف...إلا أنهما نجحا في استعادة المبادرة وتغيير موازين القوى في حركة "فتح" معتمدين في خطواتهم على قوى ثورية أخرى أكثر حيوية واستعدادا للكفاح المسلح. لقد وجدوا ضالتهم لدى الشباب أساسا. من الطلبة الفلسطينيين المنتشرين في جامعات العالم على كافة المعمورة من جهة والذين سيشكلون مستقبلا الكوادر المتعلمة للثورة، وفي شباب المخيمات الذي يعاني من الفقر والحرمان من جهة أخرى وهم من سيشكل القوى الفدائية الضاربة للثورة. هذه هي مصادر الثورة الفلسطينية التي لا تنضب.
الثورة أم الدولة
الثورة ليست كالدولة. فالأولى تحمل مثلا ومبادئ عليا قد توصل معتنقها إلى الموت في سبيلها. أما الثانية فتعتمد على العقلانية والحسابات وموازين القوى. فدولة مصر مثلا بقيادة جمال عبد الناصر كانت كثيرا ما تكون مضطرة للخضوع إلى منطق الدولة وعلاقاتها بالقوى الإقليمية وبالقوى الكبرى، حتى وإن كان زعيمها يتمتع بكاريزما حقيقية ويعتمد في خطابه على أيديولوجيا قومية عربية وتقدمية مؤثرة في الجماهير ..فإنه في نهاية المطاف لا يستطيع العمل كثيرا خارج الأطر التقليدية للدولة. أما الثانية، أي الثورة فهي بطبعها رومانسية حالمة لأنها رفضت أصلا النظام القديم وارتبطت بما يجب أن يكون لا بما هو كائن..فلم يعد يهمها الربح والخسارة بحسابات المنطق المادي الضيق وإنما تتطلع إلى أفق إنسانية أرحب حيث المثل العليا والمبادئ الخالدة. أبو عمار فهم هذه المعادلة. وأدرك حدود ما يمكن أن يقدمه الرئيس المصري في هذه المرحلة رغم احترامه الشديد له. فبحث عن مساعدة ثورة. وكانت الجزائر في استقباله سنة 1962، سنة استقلالها. فرجال جبهة التحرير الوطني كما رجال جيش التحرير الوطني كانوا مستعدون للعطاء بلا حساب. وتجربتهم في حرب التحرير الوطني أصبحت نموذجا عالميا تدرسه الشعوب التي ما زالت تعاني الاستعمار. باختصار، كانت الجزائر سنة 1962 "مكة الثوار"، إليها يتجه كل من يريد الانعتاق من نير الاستعمار والاحتلال.

الجزائر و"فتح"
سبق لأبي عمار الالتقاء مرات كثيرة بقادة الثورة الجزائرية في عواصم ومدن عربية مختلفة حيث نسج علاقات صداقة واحترام متبادل. وفي أحد المرات التقى عرفات بأحمد بن بلا بعد أن أطلق سراحه من السجن الفرنسي وتحادث معه في الشأن الفلسطيني ووعده قائلا "عندما تحصل الجزائر على حريتها واستقلالها، لن تنسى أبدا إخوانها الفلسطينيين المضطهدين". وفي 3 يوليو 1962، اجتمع مناضلون كثيرون من جميع أنحاء العالم في ساحة الاستقلال في الجزائر العاصمة ليحتفلوا بالانتصار..استغل عرفات الفرصة وذكر بن بلا بوعده الذي رد عليه "أخي ياسر لقد وعدناكم وسننجز ما وعدنا به، لنلتق في الأيام القادمة ولنتحادث في ما تريدونه بالضبط من دعم لثورتكم".
وبعد ستة أشهر، أنشأت حركة "فتح" مكتبها في الجزائر تحت اسم مكتب فلسطين وكلف أبو جهاد بإدارته وكان اسمه الحركي علال بن عامر. ورغم تدخل السلطات المصرية لدى الجزائر لغلق المكتب، فإن بن بلا أمر باستمراره. ونجحت "فتح" في تأسيس أول قاعدة دبلوماسية في العالم يمكنها من خلالها إجراء عمليات الاتصال بالدول والحكومات والمنظمات في العالم دون خوف من المخابرات العربية ولا من الأجهزة العسكرية والأمنية للكيان الصهيوني. والأكثر من ذلك، أعطاهم تواجدهم في الجزائر وزنا كبيرا أخذوه من مصداقية الثورة الجزائرية وإشعاعها.

دعم الصين
ففي سنة 1964، تمكنت سفارة الجزائر في بكين من إقناع السلطات الصينية بضرورة استضافة ياسر عرفات وخليل الوزير. وفي الصين، كانت محادثاتهما صعبة مع مضيفيهم الذين ينتمون إلى عقيدة قتالية تعتمد على حرب العصابات حيث قالوا لهما "إن الثورة لا تنجح إلا إذا تبنتها الجماهير. وأنتم ليس لكم أية قواعد في الأراضي المحتلة ومن ثمة فإن معركتكم خاسرة أصلا"..وبعد إلحاح ومناقشات عسيرة وعدهم الصينيون بإمدادهم بالأسلحة ولكن بشرط اندلاع الكفاح المسلح أولا وبوسائلهم الذاتية.
وحينما انشق محمد خيضر الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني وهرب إلى مدريد انفرد بأموال جبهة التحرير الوطني المودعة في حساب خاص في سويسرا وقال أنه لن يعيدها إلى الجزائر وإنما سيعطيها للثورة الفلسطينية دعما لحربها ضد الاحتلال الصهيوني. لكن بعد اغتياله من قبل المخابرات العسكرية الجزائرية في مدريد بأمر من هواري بومدين، استعادت الجزائر أموالها عن طريق أرملته. 
وفي سنة 1965، أثناء انعقاد مؤتمر القمة العربي في الإسكندرية، كان الفلسطينيون في استقبال الرئيس احمد بن بلا إلى جانب جمال عبد الناصر حيث هتفت بنات فلسطينيات "بن بلا يا ثائر، فلسطين بعد الجزائر".

مقارنة بين "الجبهة" و"فتح"
وحقيقة يعتبر إنجاز دراسة أو دراسات مقارنة بين نشأة جبهة التحرير الوطني الجزائرية وحركة التحرير الفلسطيني (فتح) مسألة هامة للمؤرخين وعلماء السياسة. فالأولى تشكلت في الجبال وبدأت بالرصاص رافعة شعارا مركزيا قاد كل مراحل الكفاح المسلح وهو: "الحرية لا تعطى وإنما تنتزع" (
La liberté ne se donne pas mais s arrache). كما أن جبهة التحرير الوطني بدأت كفاحها المسلح من داخل الأراضي الجزائرية المحتلة من قبل الاستعمار الفرنسي وليس من خارجه. أما حركة "فتح" فقد بدأت بصحيفة "فلسطيننا"، مركزة في البداية على الدعاية الإعلامية والسياسية. كما أنها بدأت من بلد عربي بعيد جغرافيا عن الأراضي المحتلة وليس من الداخل. إضافة إلى أن اختيار الكفاح المسلح أسلوبا وحيدا وأساسيا في عملية التحرير الوطني لم يتأكد بعد لدى كل النخب التي شكلت الحركة.
نقطة أخرى تستحق المقارنة وهي مدى تسامح الحركتين في قبول التعايش مع حركات وتنظيمات وطنية أخرى تتفق معها على نفس الهدف الكبير أي التحرير والاستقلال. إننا نلاحظ قبولا كبيرا من حركة "فتح" للتعايش والتعاون مع الفصائل الفلسطينية الأخرى وصل بهم إلى حد الالتقاء التنظيمي في مؤسسة أشمل هي منظمة التحرير الفلسطيني. وذلك على عكس جبهة التحرير الوطني الجزائرية التي ألزمت كل التنظيمات الوطنية السابقة الانضمام إلى الجبهة كأفراد وليس كفصائل أو حل نفسها. ومن لم يقبل هذا الاختيار مثل حركة مصالي الحاج فقد تم إخضاعها بقوة السلاح. 
لكن من المؤكد أن الطبيعة المتمثلة في الجبال الوعرة والغابات الكثيفة قد ساعدت كثيرا الثوار الجزائريين في سرعة اختيارهم للكفاح المسلح وتفجير حرب العصابات الناجحة. في حين أن الفلسطينيين لم تساعدهم الطبيعة والتضاريس، فحربهم لن تكون إلا حرب شوارع وحرب مدن. وهو ما عاشوه طيلة تجاربهم إلى يومنا هذا.
في كل الأحوال، من الممكن القول أن الثورة الفلسطينية الناشئة وجدت في الدولة الجزائرية الفتية مصدرا لا ينضب من الدعم المادي والمعنوي ساعدها على تصليب عودها وعلى التمكن من ربط شبكة علاقات واسعة مع الدول الاشتراكية، وعلى رأسها الاتحاد السوفيتي، إلى جانب الصين ومنظومة دول عدم الانحياز.
من يمكنه خلافة أسد الجبارين ياسر عرفات غير مروان البرغوثي؟...

عندما حاصر جنود الاحتلال الصهيوني المنزل الذي يختبئ فيه مروان البرغوثي. وعندما تأكد الرجل من استحالة الإفلات. خاطب الجنود الاسرائيليين بلغة عبرية سليمة كان قد تعلمها في سجونهم "سوف استسلم، لكن لا تتعرضوا لأحد من أفراد العائلة التي كنت مختبئا عندها". ثم أضاف "في كل الأحوال لن تأخذوا مني كلمة واحدة". فهو في هذه اللحظات العصيبة لم يفكر في نفسه وإنما انتبه إلى ضرورة إبعاد الانتقام الإسرائيلي عن مضيفيه. وهذا الموقف تكرر كثيرا في حياة البرغوثي فأصبح أحد سمات شخصيته المتميزة. التضحية بالنفس في سبيل الفلسطينيين الآخرين. وكذلك : القائد يسبق في التضحية جنوده، يسبقهم إلى المعركة، فيكتسب احترامهم وولاءهم وطاعتهم بالعمل الكفاحي وبإعطاء المثال في المبادرة وليس من خلال الهرمية السلطوية والإكراه والأوامر. وقد حاولت إسرائيل منذ وصول شارون إلى السلطة أكثر من مرة اغتياله فلم تتمكن منه ولكنها في المقابل نجحت في اغتيال معاونيه رعد كرمي وعاطف عبيدات كما اغتالت الكثير من أنصاره ومقاتليه. اليوم يقبع في السجن في ظروف مادية ونفسية شديدة الصعوبة. فهو معزول في غرفة صغيرة لوحده ولا يستطيع النوم أكثر من ثلاث ساعات في اليوم. ويعتبر حرمانه من النوم أكبر أنواع التعذيب النفسي التي تسلط على سجين. ورغم كل هذه الظروف الصعبة، فإن معنوياته مرتفعة جدا وذلك حسب ما صرح به محاميه جواد بولس. 

اعتقال واختلاف

اعتقلت إسرائيل إذن مروان البرغوثي قرب رام الله يوم الإثين 15 أبريل 2002. وهي تعتقد أنها ستستطيع بعملها هذا وضع حد لكفاح كتائب شهداء الأقصى بمجرد اعتقال مؤسسها وزعيمها الروحي. لكنها قد تجد نفسها في ورطة حقيقية. فالسجون تقوي من عزيمة الرجال ولاتضعفها. انتبه الإسرائليون إلى هذه الورطة فاختلفت مواقفهم باختلاف مواقعهم. بعضهم يرى في البرغوثي قيادة شابة ممثلة يمكنهم محاورتها لاحقا، والبعض الآخر يطالب بأقصى العقوبات ضده.

موقف أول

تذهب صحيفة إسرائيلية إلى حد القول بأن اعتقال البرغوثي سيريح بعض القيادات الفلسطينية التي كانت محيطة بالرئيس ياسر عرفات والمسماة عادة بالحرس القديم. تقول عكيفا الدار في يومية "هآرتس" في18 أبريل 2002 (ترجمة القدس العربي) وفي مقال تحت عنوان "اعتقال البرغوثي ربما تم لإعداده لقيادة الفلسطينيين في المفاوضات المقبلة" : "..ومن المعقول الافتراض بأن إبعاد البرغوثي عن الساحة لم يذرف الدموع الكثيرة من مكتب عرفات ومحيطه. فالقيادة القديمة (الحرس القديم (
Old Guards، بقيادة أبو مازن، أبو علاء، محمد رشيد، ياسر عبد ربه، صائب عريقات وآخرين المقربين من الصحن، شخصت في البرغوثي وجماعته المقاتلة تهديدا على هيمنتها. وهم مستعدون لدفع ضريبة كلامية بدموع الاحتجاج الصاخب لوسائل الإعلام على اعتقال الزعيم الشعبي من السجن طول الطريق إلى الجناح في الفندق الذي سيستضيف المؤتمر الإقليمي". 
وألمح نفس المقال إلى إمكانية أن تتعامل إسرائيل مع مروان البرغوثي "فقبل ثلاثة أسابيع فقط، قال بنيامين بن اليعازر لوفد من "السلام الآن" أن مروان البرغوثي ينتمي إلى جيل القيادات الفلسطينية الذي سيرث مكان ياسر عرفات. وقال أن هؤلاء أشخاص سيتعين علينا الحديث معهم مع قدوم الوقت. وشرح وزير الدفاع بأن هؤلاء الأشخاص مكثوا لسنوات طويلة في السجون الإسرائيلية وهم يعرفوننا جيدا". ويذكر نفس المقال القارئ الإسرائيلي بأن البرغوثي هو من نشر مقالا في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قائلا "اعترفنا بإسرائيل في 78 في المائة من أراضي فلسطين التاريخية، وإسرائيل هي التي ترفض الاعتراف بحق فلسطينين في الوجود في 22 في المائة المتبقية". 

العلاقة مع الإسرائيايين

صحيح أن مروان البرغوثي يعد بمعايير الثورة والكفاح رجل راديكالي غير مستعد للتسليم بالحقوق المشروعة أو التفريط في الثوابت الوطنية. فهو قد عارض مثلا اتفاقيات أوسلو التى وقعها الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات مع رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحاق رابين وعلق عليها لاحقا "ماتت اتفاقيات أوسلو باغتيال أحد صانعيها" أي رابين. لكن في المقابل نجد أن الرجل قد نجح في ربط علاقات كثيرة مع اليسار الإسرائيلي وبخاصة مع قيادات في حزب العمل، وحركتي "ميرتس" و"راكاح" اليساريتين. فقد ساعده ماضيه الشيوعي على تكسير الحاجز النفسي عندما يتعلق الأمر بالاتصال باليسار الإسرائيلي...وهو ما يفسر دائما وجود أصوات لدى المثقفين الإسرائيليين اليساريين تنادي بضرورة التعامل مع البرغوثي كقائد محتمل للشعب الفلسطيني يخلف عرفات. فقد هاجم وزير البيئة الإسرائيلي السابق يوسي ساريد زعيم حزب ميرتس عملية اعتقال البرغوثي وطالب بضرورة إطلاق سراحه فورا وإلا فستتضرر إسرائيل كثيرا وستدفع ثمن اعتقاله باهضا.
فالبرغوثي على عكس أغلب القادة الفلسطينيين الآخرين لحركة "فتح" يتمتع بشعبية حقيقية وكبيرة لدى الشارع الفلسطيني. بل أن صوره أصبحت ترفع في المظاهرات والمسيرات التي تجول مدن الضفة الغربية وقطاع غزة منذ اعتقاله. لكن في المقابل نجد اليمين الإسرائيلي بكافة فروعه يكن له حقدا دفينا.

موقف انتقامي

أما البعض الإسرائلي الآخر فيطالب بإنزال أشد العقوبات ضد البرغوثي لجعله عبرة لباقي القادة الفلسطينيين. لقد نشرت صحيفة يديعوت أحرونوت مقالا متطرفا ضد البرغوثي أمضاه غيء باخور بتاريخ 18 أبريل 2002 (ترجمة القدس العربي) وهو معاكس تماما في محتواه وحدة لهجته لمقال هآرتس، فتحت عنوان "تجب محاكمته ومعاقبته بمنتهى الشدة كظاهرة وكشخص" كتب صاحب المقال "تقديم البرغوثي للمحاكمة سيكون رسالة واضحة للعرب أن إسرائيل هي جوهر وليست نقاشا. إرهابي تجب محاكمته أم سياسي جدير بنوع من الحصانة لذلك يجب إبعاده؟ الجواب على هذه المعضلة التي تواجه قادة الدولة بكل ما يتعلق بالبرغوثي هو جواب بسيط : تجب محاكمته ومعاقبته بمنتهى الشدة، كظاهرة وكشخص". ويضيف صاحب المقال "يعتبر البرغوثي، الذي كان في السابق من نشيطي "فتح"، من قادة الانتفاضة الحالية وافترض أن المجتمع الإسرائيلي سيستسلم بسرعة أمام العنف. لقد قاد ناشطين من أكثر الإرهابيين وحشية وقسوة في العالم : القوة التي تدعي كتائب الأقصى، والمسؤولة عن سلسلة طويلة جدا من العمليات الانتحارية داخل إسرائيل. وفي مقابلات صحفية عديدة وعد الجمهور العربي بأن هذا يحدث تدريجيا وأن إسرائيل تتراجع. هذا لم يحدث، لقد خسر لأن إسرائيل لم تتنازل عن شيئ نتيجة لهذه الانتفاضة. بالعكس، لقد ألمت بالفلسطينيين مأساة جديدة". ويطالب كاتب المقال بضرورة الحكم المؤبد ضد البرغوثي بعد أن يذكرنا بالاتفاقيات السابقة مع الفلسطينيين "في أيلول (سبتمبر 1993)، تعهد ياسر عرفات خطيا باسم منظمة التحرير الفلسطينية بأنه من الآن فصاعدا ستتم تسوية النزاعات بين الطرفين بطرق سلمية وليس بالعنف. هذا المبدأ انتهك بصورة بارزة في الانتفاضة الحالية وتقديم البرغوثي للمحاكمة سينفث فيه الحياة من جديد. إن الحكم عليه بالسجن المؤبد واعتباره كإرهابي يوضح من هو السياسي الذي يجب النقاش معه بشرف ومن هو الذي لا يجب الحوار معه. وإذا لم يتم توضيح هذا المبدأ من جديد فإن إسرائيل ستواجه انتفاضة أخرى في المستقبل".

فلسفة إسرائيلية
ويحاول الكاتب الإسرائيلي تبرير الانتفاضة بوجود صراع داخلي على السلطة عند الفلسطينيين فيقول "في ظل غياب الأدوات الديموقراطية، يتنافس الفلسطينيون فيما بينهم على المواقع القيادية بواسطة قتل اليهود. من يقتل إسرائيليين أكثر يحظى بمكانة أعلى. والانتفاضة الحالية كانت بمثابة دعوة تحد للتنظيم والبرغوثي لقيادة عرفات القديمة عشية اليوم الذي يلي عرفات. إن الحوار الداخلي - الفلسطيني المشوه هذا الذي دفع الإسرائليون ثمنه وقطفت شخصيلت فلسطينية ثماره، يجب أن يتوقف الآن. والطريقة ليست بالتصفيات، التي لا تزال مرفوضة، بل بالمحاكمة. وهكذا يرد في حسبان كل مخطط عمليات ضد إسرائيل التفكير بأن يومه سيأتي وأن العدالة ستقتص منه ومن تاريخه السياسي. ولكن البرغوثي ليس الشعب الفلسطيني وعلى إسرائيل أن تفصل بين طريقه الدامي وبين الشعب الفلسطيني الذي نريد أن نتوصل معه إلى تسوية. في نفس الوقت مع تقديم البرغوثي للمحاكمة على إسرائيل أن تبدأ بمبادرة سياسية حقيقية لأنه يجب أن تطرح أطروحة مضادة لتكتيك الإرهاب الذي يمارسه البرغوثي: العنف. الإرهابي نلتقيه في قاعة المحكمة. والقيادة الفلسطينية السياسية - في قاعة المؤتمرات". 

صراع الداخل والخارج
إن ما يميز مروان البرغوثي عن أغلب القادة الفلسطينيين الآخرين هو كونه زعيم فلسطيني شاب جاء من داخل فلسطين وليس من خارجها مثل أغلب قادة الثورة الفلسطينية. كما يتميز برؤيته المتعددة الأبعاد لعملية كفاح الشعب الفلسطيني التي يجب أن تكون على أكثر من جبهة. فالنضال ضد إسرائيل يندرج عنده في إطار حرب التحرير الوطني، أي الحرب من أجل التحرر من الاستيطان الإسرائيلي وفي سبيل استقلال الشعب الفلسطيني. أما المعركة الثانية التي يجب خوضها بوضوح وبدون مجاملة فهي ضد الفساد المنتشر لدى بعض قادة السلطة الفلسطينية الذين عادوا إلى فلسطين بعد اتفاقيات أوسلو. أو ما يسميهم الفلسطينيون تندرا "جماعة تونس" والمقصود هو بعض قادة "فتح" الذي عاشوا بعيدا عن الجبهة الداخلية و"ناضلوا" نضالا سياسيا انطلاقا من تونس دون أن تكون لهم مشاركة فعلية في الانتفاضة الأولى. وهم عادة قادة مرفهون ماديا ولهم علاقات خارجية كثيرة واعتادوا إبرام الصفقات التجارية وتحقيق الأرباح الشخصية على حساب الثورة الفلسطينية. كان البرغوثي شديد القسوة علىهذه الجماعات فكثيرا ما يوجه إليها الانتقادات العلنية متهما إياها بنقل الفساد إلى فلسطين. حيث لا يمكن بناء دولة عصرية بهذه الجماعات. أكسبته هذه المواقف حب الجماهير وتعاطفها معه. لكن يجب إدراك أن البرغوثي لم يكن في حالة قطيعة مع الرئيس ياسر عرفات، بل على العكس يبدو أن أبا عمار كان يستعمل البرغوثي ورفاقه من القيادات الشابة لإحلال توازن داخل السلطة الفلسطينية حتى لا ينفرد الحرس القديم بالمناصب والقرارات وتميل الكفة إلى صالحه. لذلك يقول كثير من المراقبين أن أبا عمار شجع البرغوثي وأمده بالمال والسلاح. 

الأب والزعيم الشاب
هذه العلاقة
التي كانت قائمة بين الزعيم الأب والزعيم الشاب قد تصل في بعض الأحيان إلى توتر شديد بين الرجلين. فعلى إثر اغتيال جميل الطريفي في رام الله، اندفع البرغوثي متهما الأجهزة الأمنية الفلسطينية بتدبيرها العملية وشن عليها حملة انتقادات واسعة متهما إياها بالانحراف عن مسيرة الثورة ودعا في أحد خطبه الحماسية إلى محاسبة هذه الأجهزة ومحاكمة الضباط المنحرفين فيها. لقد رفع البرغوثي شعار أولوية المناضل السياسي على الضابط العسكري الأمني وضرورة مراقبة الأول للثاني وليس العكس. أما أبو عمار فقد كان يحاول دائما إحداث التوازن داخل حركة "فتح" فقام بعد انتشار الانتفاضة بتشكيل لجنة طوارئ لإدارة الحركة ووضع على رأسها حكم بلعاوي وضمت خصوم البرغوثي. 
فعرفات لا يريد التخلي عنه وفي الآن نفسه لا يمكنه إعطاءه دفة القيادة لكل السفينة. كما أن أبا عمار اعتاد على لعبة التوازنات الداخلية لدى الفلسطينيين والإقليمية مع العرب والدولية بين القوى الكبرى..وحذق هذه السياسة وتميز فيها...ورغم لحظات الغضب التي كانت تنداب عرفات تجاه البرغوثي من حين لآخر، فإن أبا عمار كان يدرك تمام الإدراك أنه لولا نشاط مروان وقدرته على تعبئة الفلسطينيين واكتساب احترامهم كمناضل من حركة "فتح" لاكتسح الإسلاميون الشارع الفلسطيني ولسيطروا على كل المواقع فيزيحون بذلك "فتح" من خارطة الفعالايات الشعبية...فقط البرغوثي ورفاقه أعادوا للحركة مصداقيتها لدى المواطن الفلسطيني من خلال سلوكهم اليومي المتميز بالانضباط الأخلاقي والاقتراب من قضايا المواطنين.

الولادة والنشأة

سنة 1960، وفي قرية كوير شمال غرب مدينة رام الله، ولد مروان البرغوثي في أسرة كبيرة العدد. تميزت أسرته باحتضانها للفكر الشيوعي وانضمام الكثير من أفرادها إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني. وكانت مسألة طبيعية أن يعتنق مروان الفكر الماركسي اللينيني منذ بداية شبابه. غير أن تحولا كبيرا حدث في حياته أثناء تجربة السجن الإسرائيلي الذي دخله وعمره لم يتجاوز 19 سنة. فالشاب اقتنع بضرورة الانضمام إلى حركة "فتح" والانسحاب من الحزب الشيوعي. هل غير مروان قناعاته السياسية والأيديولوجية كلية؟ ولماذا لصالح "فتح" خاصة وأن هذه الحركة هي في الأصل حركة تحرر وطني أكثر منها حزبا يحمل أفكارا في المجتمع والاقتصاد؟ أسئلة كثيرة قد تطرح ولا أحد يمكنه الإجابة عليها إجابة كافية وشاملة غير المعني بالأمر، أي مروان البرغوثي نفسه. لكن من الممكن تصور أن البرغوثي قد فهم أن أفكار الحزب الشيوعي ستصبح، لصعوبتها وتعارضها مع الهوية القومية والدينية للشعب الفلسطينيي، حائلا بينه وبين الجماهير فاختار التنظيم الأكبر والأشمل رغم التناقض الفكري والأيديولوجي للتيارات التي تتعايش فيه. كما أن برنامج حركة "فتح" هو أكثر البرامج الفلسطينية واقعية وإمكانية للتحقيق على الأرض. وبما أن البرغوثي يعتبر نفسه رجل ميدان أكثر منه رجل تنظير.. فقد حدث الانقلاب الكبير الذي سيغير مجرى حياته. ذلك أنه سيصبح منذ سنوات قليلة مضت أكبر رموز وقادة حركة "فتح" المرشحين حتى لخلافة أبي عمار. 

النشاط السياسي والكفاح المسلح

تخرج مروان البرغوثي من جامعة بيرزيت. وكان أحد إطارات حركة "فتح" المشهود لهم بالنشاط والانضباط الخلقي والتنظيمي. 
سجنته إسرائيل لمدة ست سنوات، استغلها في تعلم اللغة العبرية قراءة وكتابة وحديثا. غادر فلسطين نحو الأردن سنة 1987 ليعيش مؤقتا في منفاه الاختياري الجديد. وعمل هناك على دعم حركة "فتح" بالكوادر الشابة وتنظيمها حتى تحين ساعة المقاومة. ولم تلبث السلطات الأردنية أن أعلنت انزعاجها من كثرة نشاطاته وطلبت منه العودة إلى الضفة الغربية لكنه انتقل إلى تونس. لقد انتبه القيادي الفلسطيني الراحل أبو إياد إلى الطاقة التنظيمية الكامنة في الشاب مروان البرغوثي. وسرعان ما أعجب به فتبناه وساعده على الوصول إلى المراتب القيادية في "فتح" ووافق عرفات على صعوده بل تبناه بدوره.
وفي سنة 1988، أصبح البرغوثي عضوا في المجلس الثوري لحركة "فتح" وعاد إلى الضفة سنة 1994 مع بقية القادة الفلسطينيين على إثر اتفاقيات أوسلو ليتم انتخابه أمينا لسر الحركة في الضفة الغربية ثم عضوا في المجلس التشريعي الفلسطيني سنة 1996. لقد نجح البرغوثي في الفوز في انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني، لكنه في المقابل فشل في الحصول على ما يلزم من أصوات ليشغل منصب الأمين العام لحركة "فتح". 

معرفة الداخل

لقد كان من القادة القليلين الذين يعرفون الداخل الفلسطيني وتركيبة مشهده السياسي والنضالي. فهو تعامل عن قرب مع المناضلين والكوادر المحليين الذين بقوا في فلسطين. كما أدرك طبيعة الاحتلال الإسرائيلي وإمكانياته ومناوراته. أما البقية فكانوا غرباء عن المشهد الداخلي للضفة الغربية وقطاع غزة. بل كثير منهم لم يولد أصلا في فلسطين ولم يرها في حياته إلا سنة 1994. لقد وصفه ضابط إسرائيلي قائلا "البرغوثي ليس بمنظر أيديولوجي. فشرعيته أخذها من معرفته العميقة بالجيل الفلسطيني الذي ولد بعد حرب 1967".
ورغم أن البرغوثي لم يشهد اندلاع الانتفاضة الأولى، فهو قد هيأ نفسه كما هيأ رفاقه للعمل بأقصى نشاط في الانتفاضة الثانية التي اندلعت منذ شهر أيلول (سبتمبر) 2000 على إثر الزيارة الاستفزازية لشارون إلى حرم المسجد الأقصى.
أما أخطر عمل قام به منذ بداية حياته السياسية والنضالية فتمثل قي تأسيسه لكتائب شهداء الأقصى في شهر أكتوبر (تشرين الأول) سنة 2001. وحسب بعض المصادر الإسرائيلية، فإن هذا التنظيم قام مع الفرقة 17 (الحرس الخاص بالرئيس الفلسطيني) بالقيام ب50 بالمائة من العمليات الفدائية.

رفض الصدام مع الفلسطينيين

وعلى عكس قادة الأجهزة الأمنية (جبريل الرجوب، محمد دحلان..)، فإن البرغوثي رفض الدخول في صراع أو صدام مع الحركات الإسلامية الفلسطينية وبخاصة حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" بل على العكس اختار التحالف معهما إلى جانب التحالف مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وتنسيق أعمالهم العسكرية اليومية ضد الكيان الصهيوني وشكلوا معا ما أصبح يعرف بالقوات الإسلامية الشعبية. أصبح البرغوثي من خلال هذه المواقف رجل الوحدة الوطنية حيث يلتف حوله الفلسطينيون باختلاف مشاربهم الأيديولوجية والفكرية والسياسية من اليمين إلى اليسار ومن العلماني إلى الديني.
وهو ما يفسر الحقد الإسرائيلي حول شخصه. فوزارة العدل الإسرائيلية كانت قد طلبت رسميا من ياسر عرفات في شهر أيلول (سبتمبر) سنة 2001، نفي البرغوثي خارج الضفة الغربية. 
لكن في المقابل، نجد جزء من الحكومة الإسرائيلية يعتقد بضرورة إطلاق سراح مروان البرغوثي. ويعنقدون أن اعتقاله سوف يكون الصاعق الذي سيفجر انتفاضة جديدة وثالثة في فلسطين. فصقور كتائب الأقصى لن يسكتوا طويلا على سجن أبيهم الروحي.

 بقلم رياض الصيداوي
 مدير مركز الوطن العربي للابحاث والنشر
ورئيس تحرير التقدمية