مرحبا بزوار التقدمية

مرحبا بالزوار الكرام لمدونة التقدمية. هذه المدونة تتبع صحيفة التقدمية الأصلية وهذا موقعها http://www.taqadoumiya.net/. تعرضت للضرب والحذف فجر يوم 3 سبتمبر وتم استعادتها في آخر يوم 4 سبتمبر بعد الاتصال بشركة غوغل... قد تضرب في أية لحظة مرة أخرى فالرجاء من القراء المهتمين بالمقالات تسجيلها أو طبعها أو البحث عنها عبر غوغل في مواقع أخرى...

الثلاثاء، 4 يناير 2011

السعودية والكويت: حدثان والمصيبة واحدة


السعودية والكويت: حدثان والمصيبة واحدة



بقلم الدكتورة مضاوي الرشيد


مقال نشر في القدس العربي بتاريخ 03-01-2011

الحدث الاول حصل في دولة الديمقراطية الفريدة المسماة الكويت حيث تفتخر الدولة والمجتمع بالمجلس المنتخب والذي يمثل المجتمع وسلطته الرقابية على الحكومة.
تعرض مجموعة من النواب الكويتيين المنتخبين للضرب من قبل الأمن والشرطة على خلفية تجمع تعتبره الحكومة مخالفا لنصوص الدستور الذي لا يقبل بالتجمع والتجمهر اعتبر بمثابة فضيحة للديمقراطية الكويتية الناشئة في المنطقة وانتكاسة لمكاسب وحقوق انتزعها المجتمع من السلطة إما بالتوافق أو تحت ضغط عوامل خارجية منها الاحتلال العراقي للكويت عام 1995 عندما اضطرت الكويت دولة التنازل عن بعض التعنت والرضوخ للارادة الشعبية والمشاركة السياسية.

لقد تجرأت الحكومة بأجهزتها الامنية الداخلية على ضرب النواب والنيل من مبدأ التمثيل الشعبي والشرائح الاجتماعية التي انتخبتهم. ولكن لا نعتقد أن هذا الحدث قد احرج الاجهزة الامنية أو ادى الى مراجعة اسلوبها في التعامل مع ممثلي الشعب الكويتي. وان كان للحدث دلالة الا أنه قد يفتح الباب على مصراعيه امام جدوى الانتخابات في منطقة عربية لا تعرف سوى اساليب القمع واستلاب الارادة والفكر وخطف اي محاولة مجتمعية لتوسيع حلقة القرار السياسي والمشاركة في الحكم. ان كان للحدث دلالة فتتلخص بكون الانتخابات التي تأتي بممثلين شرعيين للمجتمع يعتبرون زيادة عدد في اللعبة السياسية والقائمة اولاً واخيراً على استئثار بالسلطة والتفرد بها. هذه السلطة لا تحترم نائباً ولا تأبه بضربه امام عدسات الكاميرات وعلى مسمع ومرأى آلاف المشاهدين الذين يتناقلون الحدث صوتا وصورة على صفحات الانترنيت والفضائيات العربية والعالمية.

اما الحدث الثاني فهو في السعودية حيث النفاق يستشري في اروقة السياسة الا في ما يخص الانتخابات. فمجلس شورى السعودية مجلس يعين الملك اعضاءه وهو اذاً يمثل السلطة كجهاز من اجهزتها ويحظى بدعمها ماليا ومعنويا وتنتفخ جيوب الاعضاء بمعاشات من خزينة الدولة على مستوى شهادات الدكتوراه التي يحملها معظمهم وقد اقنعت الدولة العالم ان اعضاء مجلس الشورى ليسوا بأعضاء سلبيين منتهية صلاحياتهم بل هم اعضاء ناشطون من التكنوقراط والبيروقراط 'المودرن' أصحاب مهارات عالية وخبرات رفيعة. وهم يمثلون مناطق المملكة وشعوبها. وكثرت الاحصاءات عن تقنيات هؤلاء الاعضاء وقدرتهم على مناقشة مواضيع مختلفة وتقديم المشورة والنصح والبصم على قرارات الدولة مؤخرا ثم اعتقال احد الاكاديميين على خلفية مقال طرح اسئلة جدية ووجيهة عن مستقبل المملكة في مقال على الانترنيت وبعدها بأيام معدودة اقتنصت اجهزة الامن محمد العبد الكريم وحتى كتابة هذا المقال لا يزال معتقلا وقد قام البعض بتفعيل قضيته على الانترنيت وكثر المناصرون والمعلقون على الموضوع من بين هؤلاء محامي المعتقل وليد ابو الخير والذي دخل في جدل مع احد اعضاء مجلس الشورى المسمى عبد الكريم العناد في نقاش حول شرعية اعتقال موكله. فما كان رد هذا العضو والذي يمثل مفخرة السعودية في مسيرة الشورى كان رده على المحامي بمصطلح بذيء عندما قال له 'كل تبن' وان دلت هذه البذاءة على شيء انما تدل على مستوى وضيع من الفهم والتقدير ليس فقط لمحامي يعنى بشؤون الحرية وهموم المواطنين بل بالمجتمع كله حيث اصبح مصطلح كل تبن يتردد في الانترنيت بتهكم ان دل على شيء انما يدل على استعلائية وفوقية اهل السلطة ولو كانوا في موقع هامشي كأعضاء مجلس الشورى ولكن ربما ما شجع هذا العضو على تصرفه الاحمق هو كونه يعتبر نفسه ممثلا للسلطة مدعوما من قبلها ولا علاقة له بالمجتمع وهمومه كما حاول النظام السعودي اقناع العالم ومجتمعه عندما استحدث بدعة مجلس الشورى المعين منذ 20 عاما. أمام هذين الحدثين الكويتي والسعودي يقف المراقب على واقع مرير في بلدين يختلفان في الكثير من تركيبتهم الاجتماعية والسياسية ولكنهما اجتمعا في واقع إهانة المجتمع وممثليه كما حصل في الكويت واهانة نظيره السعودي من قبل ممثلي السلطة اعضاء مجلس شورى. هذه المقارنة تعكس حالة استلاب الكرامة والارادة والحرية في بلدين وان اختلفا الا انهما اجتمعا على مبدأ واحد يتسم باحتقار المجتمع واهانته وحصانة السلطة التي تبقى خارج القانون وفوق العباد. ففي الكويت يتعرض النائب المنتخب للضرب وفي السعودية يهين العضو المعين النخب الاجتماعية وخاصة تلك التي تمتلك الارادة والمعرفة والقدرة على التصدي لغطرسة السلطة واعتقالاتها التعسفية خاصة اولئك المعنيين بالدفاع عن حقوق الانسان وحرياته والتي لا يعترف بها عضو مجلس الشورى حيث آثر أن يُطعم المحامي التبن تماما كالحيوانات. ولم يعتذر هذا العضو بل تماهى في غطرسته لانه يعلم ان السلطة تقف خلفه بثقلها الامني والاستخباراتي، خاصة تلك الاجهزة التي تقتنص المفكر والكاتب من مركز عمله وتزج به في السجن لمجرد كتابته سلسلة من الاسئلة تخص مستقبل البلاد في ظل حالة الصمت التي تفرضها السعودية حول مستقبل البلاد في لحظة تتكاثر فيها التكهنات والتساؤلات المشروعة. وسيختلق البعض الاعذار والتبريرات لمطعمي التبن حيث سيقولون انها حالة فردية تماما كما يبررون التعذيب في السجون ومراكز الشرطة على انها حالات فردية تعاقب السلطة عليها أو يتذرعون بأن الفساد وسرقة المال العام والاستهتار بحقوق المواطنين هي ايضا حالات شاذة خارجة عن سياق المؤسسات وهذا في مجمله لا يصمد امام الواقع والتجارب التي يدونها قلة قليلة من الذين يهتمون بالشأن العام ويطمحون بحقوق شرعية لا تزال في حالة استلاب. وها هم اليوم امام السلطة ممثلة بالعضو الصغير تهين المجتمع الكبير الذي قد تحول بالفعل الى أكلة تبن تحت مسمع ومرأى السلطة دون ان تحرك هذه الاخيرة ساكنا أو تضغط من أجل اعتراف بالاهانة وتقديم الاعتذار العلني الذي يليق بمحام وموكله.

نعم هما حدثان بعيدان في بيئتين مختلفتين لكن رمزيتهما واحدة. لا تزال المنطقة العربية بنوابها المنتخبين او المعينين غير قادرة على اللحاق بالامم التي اثبتت وجودها وخرجت من هامشيتها امام سوط السلطة وسيفها. تنعدم في هذه المنطقة مفاهيم وممارسات كثيرة منها احترام الانسان والمجموعات والتمسك بحقوقها السياسية والمدنية في عالمنا العربي لا يوجد مواطن صاحب وواجبات بل هناك كتل بشرية تعتبرها السلطة شكلا من اشكال الرعية بمعناها الحيواني او القطيع الذي يساق الى نقاط معروفة على هامش الحدث والتاريخ والسياسة والحقوق. انها عقود القمع والتفرد بالسلطة التي أفرزت الشرطي الذي يضرب ممثل الشعب ويعتبر نفسه مطيعا لأوامر عليا فهو لا يسأل ولا يتردد عندما يمارس عملية ضرب بدائية وهي نفسها العقود التي افرزت العضو المعين الذي يهين المجتمع وافراده دون ان يأبه بالتبعيات او ردود الفعل لانه يعلم علم اليقين انه مولود السلطة وطفلها المدلل. لقد تلاشت الفوارق بين المنتخب والمعين الاول يُضرب بالعصي والثاني يضرب بالتبن من يتجرأ بسؤال أو مقال قد تتعدد الاسباب ولكن المصيبة واحدة.

' كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق