مرحبا بزوار التقدمية

مرحبا بالزوار الكرام لمدونة التقدمية. هذه المدونة تتبع صحيفة التقدمية الأصلية وهذا موقعها http://www.taqadoumiya.net/. تعرضت للضرب والحذف فجر يوم 3 سبتمبر وتم استعادتها في آخر يوم 4 سبتمبر بعد الاتصال بشركة غوغل... قد تضرب في أية لحظة مرة أخرى فالرجاء من القراء المهتمين بالمقالات تسجيلها أو طبعها أو البحث عنها عبر غوغل في مواقع أخرى...

الخميس، 2 سبتمبر 2010

جان زيغلر: الأنظمة الغربية تخلق من الإسلام عدوا وهميا




جان زيغلر باحث وسياسي وعالم اجتماع وأستاذ بجامعتي جنيف والسربون بباريس وقد لد سنة 1934. عمل ثماني سنوات مقررا خاصا لبرنامج الغذاء في الأمم المتحدة. وله العديد من الكتب ترجم بعضها إلى اللغة العربية ومنها: ضد النظام العالم (1983)، أمراء الجريمة (1998)، كتاب الرأسمالية الأسود (1998)، سادة العالم الجدد (2002)، إمبراطورية العار (2005)، كراهية الغرب (2008). وغير ذلك من الكتب والمقالات.
من الملاحظ ونحن نحاور جان زيغلر حول رؤيته لعلاقات الغرب بالإسلام والمسلمين أن دولا مثل ألمانيا أو فرنسا أو بريطانيا هي ديمقراطيات حقيقية عندما يتعلق الأمر بما يحدث داخل ترابها الوطني، لكن حماية حقوق الإنسان تتوقف عند حدودها وليس أكثر.
عندما يحرق الأطفال العرب تتغافل الدول الغربية عن ذلك، بينما تسارع للدعوة بعقد اجتماع لإدانة النظام في السودان، وعليه فإن أسلوب الكيل بمكيالين يؤدي بالنتيجة إلى إنهاء كلي لمصداقية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة. جذور فكرة حقوق الإنسان هي جذور أوروبية وتحولت إلى فكرة كونية فيما بعد، لكن تتم خيانتها باستمرار من أصحابها أنفسهم أي الغرب وأوروبا قبل غيرهم.
منذ حوالي خمسة قرون يمارس الغرب سياسة وحشية في إطار ازدواجية الخطاب بين ما هو معلن وبين ما يتم تنفيذه في أرض الواقع. استخدم الغرب أسلوب القتل ضد كل من رآه خطيرا على مصالحه.
وفي هذا السياق رأينا أن نحاور المفكر جان زيغلر حول بعض القضايا التي تناولها في العديد من كتبه وبحوثه.
رياض الصيداوي مع جان زجلر المفكر السويسري صديق العرب وصحيفة التقدمية

آخر كتبك جاء تحت عنوان "كراهية الغرب"، لماذا هذا الكتاب اليوم؟
تحولت الذاكرة المجروحة في العديد من بلدان أمريكا اللاتينية إلى وعي سياسي ومن ثمة انتصارات انتخابية رائعة مثل ما حدث في بوليفيا أو في فينيزويلا أو في الإيكواتور
جان زيغلر
: صحيح، إن العنوان يصدم. أولا أود أن أنبه إلى وجود الكراهية تجاه بلدان الجنوب بتعلة الإرهاب، أو القاعدة، هذه هي الجريمة المنظمة مهما كانت الأعذار الأيديولوجية أو الدينية أو الثقافية، فلا يوجد أي عذر لأشخاص يلقون بالقنابل على حافلات مدرسية. والقرآن هو كتاب تسامح وحب.
ثمة ثلاثة منابع للكراهية المكشوفة: أولا، الذاكرة المجروحة والتي لا يستطيع أحدا أن يسيطر عليها تحليليا. أما الجيل الثاني فأيضا لا يستطيع، فقط مع الجيل الثالث أو الجيل الرابع تتحول هذه الذاكرة المجروحة إلى وعي سياسي ومطالبة بالتعويض المادي والمعنوي... بالنسبة لشعوب الجنوب فإن الاستعباد والمجازر الاستعمارية هي الذاكرة المجروحة عندهم وتعود دائما في شكل وعي سياسي. وذلك غريب فعلا، فمنع العبودية حدث في التاريخ البشري منذ القرن الماضي فالبرازيل منعته سنة 1888 وفي سنوات الستين أصبحت أغلب البلدان الإفريقية وبلدان جنوب آسيا مستقلة وتوقفت المجازر الغربية. وهنا فقط بعد ثلاثة أجيال تحولت الذاكرة المجروحة إلى وعي سياسي.
أعطيك مثالا: في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2007 ، ذهب الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى الجزائر ليتفاوض حول اتفاقيات بترول وغاز وتبادل البضائع بين الجزائر وفرنسا. وقبل أن يبدأ الطرفان في التفاوض قام الرئيس بوتفليقة وقال أريد اعتذار فرنسا على مجازر سطيف سنة 1945 حيث قتل الجنود الفرنسيون حوالي 40 ألف مواطن جزائري عزلا بمن فيهم النساء والشيوخ والأطفال. وأجابه الرئيس الفرنسي ساركوزي حرفيا: "لم آت إلى هنا من أجل الحنين إلى الماضي". فأجابه بوتفليقة: "الذاكرة قبل الاتفاقيات التجارية". وقد ألغى بوتفليقة زيارة الدولة المقررة لفرنسا في شهر يونيو/ حزيران الماضي 2009 بسبب عدم اعتذار فرنسا. وهذا شيء جديد وراديكالي. وقد تحولت الذاكرة المجروحة في العديد من بلدان أمريكا اللاتينية إلى وعي سياسي ومن ثمة انتصارات انتخابية رائعة مثل ما حدث في بوليفيا أو في فينيزويلا أو في الإيكواتور.

وما هو المنبع الثاني لكراهية الغرب؟
السلوك المزدوج للغرب مرفوض فهو يستخدم أسلوب الكيل بمكيالين وهو ما يؤدي إلى نتيجة إنهاء كلي لمصداقية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة
- يكمن المنبع الثاني للكراهية في ازدواجية اللغة لدى الغربيين وبخاصة فيما يتعلق بحقوق الإنسان. وأعطي هنا مثالين: إن مجلس حقوق الإنسان يتكون من 47 دولة منتخبة من كل القارات وعليه أن يراقب تطبيق الثلاثين مادة التي تشكل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان من قبل الدول المختلفة المنظمة لهيأة الأمم المتحدة. إن الغرب يطبق ما يطلق عليه عالم السياسة الفرنسي موريس دو فرجيه "الفاشية الخارجية" حيث إن دولا مثل ألمانيا أو فرنسا أو بريطانيا هي ديمقراطيات حقيقية عندما يتعلق الأمر بما يحدث داخل ترابها لكن حماية حقوق الإنسان تتوقف عند حدودها. أعطيك مثالين: من 28 ديسمبر/ كانون الأول 2008 إلى يوم 20 يناير/ كانون الثاني 2009 ارتكب الجيش الإسرائيلي وطيرانه مجازر بشعة ضد الفلسطينيين في غزة. وسكانها المحشورين في غيتو وعددهم مليون ونصف يقيمون على 365 كلم مربع. وهو على الأرجح الغيتو الأكثر كثافة سكانية في العالم. وقتل ألفا وأربعمائة فلسطيني أغلبهم نساء وأطفال وشيوخ.
ودعا مجلس حقوق الإنسان بطلب من المجموعة العربية إلى عقد جلسة طارئة تم فيها إصدار قرار بإدانة المجازر الإسرائيلية المرتكبة في حق الفلسطينيين في غزة ولكن أيضا أدان استخدام حركة حماس للصواريخ ضد المدنيين الإسرائيليين. وقد رفض السفراء الغربيون التصويت على القرار.
وبعد شهرين، دعت مجموعة الدول الغربية إلى انعقاد جلسة طارئة ضد عمليات التطهير العرقي في دارفور وطالبت في القرار النهائي الذي صدر، بإرسال 22 ألف جندي من القبعات الزرق وإنشاء خمسة ممرات إنسانية انطلاقا من التشاد ومنع الطيران فوق الجنوب السوداني ودارفور دون ترخيص من الأمم المتحدة. هنا سفراء دول الجنوب صوتوا ضد القرار.
فعندما يحرق البيض الأطفال العرب يوافق الغربيون على ذلك ولكنهم يسارعون للدعوة بعقد اجتماع لإدانة النظام في السودان، وهو نظام فظيع، والأفارقة يرفضون هذا السلوك المزدوج للغرب حيث يستخدم أسلوب الكيل بمكيالين ما يؤدي إلى نتيجة إنهاء كلي لمصداقية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.

أين تكمن جذور حقوق الإنسان إذن في الغرب؟
جذور فكرة حقوق الإنسان هي جذور أوروبية وتحولت إلى فكرة كونية، لكن يتم خيانتها باستمرار من أصحابها أنفسهم أي الغرب وأوروبا
- نعم المشكل يزداد حينما نعرف أن جذور فكرة حقوق الإنسان الثلاثة القائمة في العالم اليوم هي بخاصة جذور غربية. الأول ظهر في فيلادلفيا في 4 يوليو /تموز 1776 في الولايات المتحدة الأمريكية. أما الثاني فظهر في فرنسا في شهر أغسطس 1789 عبر إعلان حقوق الإنسان والمواطنة. والجذر الثالث ظهر في المزج بين الجذرين السابقين عبر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنته هيأة الأمم المتحدة في 10 ديسمبر/ كانون الأول 1948.
إذن جذور فكرة حقوق الإنسان هي جذور أوروبية وتحولت إلى فكرة كونية. لكن يتم خيانتها باستمرار من أصحابها أنفسهم أي الغرب وأوروبا. ومثال نيجيريا، الذي أوردته في الفصل السابع من كتابي، وهي المنتج الثامن في العالم للبترول. وتحكمها شراذم عسكرية تتوالى على السلطة منذ سنة 1966، مرة يحكمها الجنرالات المسيحيون المنحدرون من الجنوب ومرة أخرى يحكمها جنرالات الشمال المسلمون. وهم ضباط عسكريون شباب مرتشون كلية من قبل شركات الاحتكار النفطي الكبرى "شال" و"تكساكون" وغيرهما... وهي شركات تستغل ثروات البلاد استغلالا فاحشا.
في آخر انتخابات تمت في شهر فبراير/شباط 2007، طالبت منظمات المجتمع المدني من كنائس وجمعيات وغيرها الاتحاد الأوروبي بمراقبة الانتخابات. وهذا الأخير أرسل مراقبيه مجهزين بطائرات الهليكوبتر وأجهزة الكمبيوتر اللازمة. وفي يوم 8 مايو/ أيار 2007، يعقد فامبار، ممثل الاتحاد الأوروبي، ندوة صحفية في بروكسل ويعلن أن الانتخابات تم تزويرها بشكل كامل. وأن الجنرال عمرو يور أدوا، حاكم الشمال الذي أعلن عن انتخابه رئيسا للبلاد، هو في الواقع لا يمتلك أية شرعية ديموقراطية. وقد ترأست الجمهورية الفدرالية الألمانية الاتحاد الأوروبي في السداسي الأول من سنة 2007. وبعد ثلاثة أشهر دعت المستشارة ميركل عمرو يور أدوا إلى ألمانيا وكذلك فعل الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي وغيره... وتدعوه مجموعة الثمانية ضيف شرف واحد ممثلا عن كل قارة. وقامت ميركل بدعوة الرئيس النيجيري غير المنتخب ديموقراطيا... ليمثل قارة إفريقيا.

كيف نفهم علاقة الغرب بالعالم الثالث؟
مسلسل احتقار وازدراء الغرب للشعوب الأخرى مسلسل متواصل. مثل ساركوزي في مواجهة الذاكرة المجروحة لشعوب إفريقيا، حيث قام في العاصمة السنغالية داكار بإلقاء خطاب في شهر يونيو / حزيران 2007 كله إهانة وتجريح للأفارقة قائلا أن مشكلتهم تكمن في أنهم لم يدخلوا التاريخ وفي عدم انتفاعهم كما يجب من الاستعمار... ففي مواجهة ذاكرة الجنوب المجروحة نجد ذاكرة الغرب الحجرية المتعجرفة المهينة.
وأعطي مثالا آخر وهو هايتي. في سنة 1789 حدثت فيها ثورة العبيد. وفي سنة 1802 أرسل نابليون بونابرت حملة عسكرية لإعادة احتلال البلاد. وفي سنة 1804 أصبحت أول جمهورية سوداء تابعة للمجال الغربي. وبعد سقوط نابليون قامت فرنسا فورا مع بريطانيا بمحاصرة هايتي بحريا. واضطر رئيسها في ذلك الوقت إلى قبول شروط فرنسا التي تطالب بتعويض قدره 150 مليون فرنك ذهبي مقابل تحرير العبيد. ووجب على هايتي، إحدى الدول الأكثر فقرا في العالم، التوقيع على الاتفاقية ودفع التعويض إلى آخر مليم إلى حد سنة 1883. وبالتالي فإن هذا البلد لا يمكنه القيام بأية عملية تنمية بسبب ما دفعه من تعويضات. وهو ما تبين مؤخرا على إثر الزلزال الذي أصابها حيث عجزت الحكومة على توفير الغذاء أو الدواء لمواطنيها. وقد قام رئيسها أرستيد بالمطالبة بإعادة مبلغ 150 مليون فرنك ذهبي إلى بلاده أثناء قمة دوربن في شهر أغسطس/ آب 2001. وطبعا رفضت فرنسا مطلبه. وقامت عبر أجهزة استخباراتها بانقلاب ضده سنة 2004.

ما هي آليات ما تسمونه الهيمنة الغربية على العالم؟
منذ حوالي خمسة قرون مارس البيض سياسة وحشية في إطار ازدواجية الخطاب بين ما هو معلن وبين ما يتم تنفيذه في أرض الواقع. ويمثل اليوم البيض نسبة 12.8% من السكان في العالم، أية أقلية، لكنهم يهيمنون على العالم، ومارسوا في الماضي الإبادة العرقية في أمريكا ضد الهنود الحمر ثم مارسوا تجارة العبيد لمدة 350 سنة واستعمروا أراضي غيرهم لمدة 150 سنة في إفريقيا وآسيا. واليوم يكمن أبشع نظام استغلال في دكتاتورية الرأسمال المالي المعولم. ففي السنة الماضية وحسب البنك العالمي، فإن أكبر خمسمائة شركة خاصة عابرة للقارات سيطرت على أكثر من 52% من الناتج الإجمالي الخام العالمي. وتمتلك سلطة لم يمتلكها أحد سابقا لا إمبراطور ولا ملك في تاريخ البشرية. وقد أدمجت هذه الأولغارشيات العالمية كل من الهند والصين في نفس النظام الاستغلالي. وقد أدى ذلك إلى جنيها جبالا من الذهب وفي الآن نفسه إلى جبال من الجثث والشهداء. والآن على سبيل المثال، يموت في كل خمس ثواني على الكرة الأرضية طفل عمره أقل من عشر سنوات بسبب الجوع. ويموت 47 ألف شخصا كل يوم بنفس السبب أي الجوع. ويعاني أكثر من مليار في العالم من سوء التغذية. رغم أن منظمة الزراعة العالمية تقول أن الأرض يمكن أن تطعم 12 مليار نسمة أي ضعف عدد سكان المعمورة الحالي.
الاستنتاج هو أن النظام الكولنيالي يقتل البشر دون حاجة للقتل وهو نظام عبثي.
أنت تنتقد الغرب بحدة وتضعه محل اتهام دائم، لكن ما هو دور قادة العالم الثالث الفاسدين في تخريب بلدانهم بأنفسهم حيث شهدنا فشلا كاملا وذريعا لأنظمة الاستقلال؟
لعب الغرب دورا بارزا في تصفية القادة الثوريين المخلصين، حيث حدثت تصفية جسدية لكل من يستطيع فعلا أن يبني دولة جدية ناجحة. حيث تم اغتيال باتريس لوممبا في 17 يناير/ كانون الثاني 1961، وتم قتل أميرال كابرال في 20 يناير/ كانون الثاني 1973، وبارتيمي في أوغندا سنة 1960 بتفجير طائرته في الجو، وتم إغراق حركة الاستقلال المسلحة في الكاميرون في مستنقع من الدماء من قبل الجيش الفرنسي وتم اغتيال الزعيم المغربي المهدي بن بركة في فرنسا وفرحات حشاد، الزعيم النقابي، في تونس، وكذلك عبد الناصر الذي حوصر وأفشل مشروعه وتوفي بسكتة قلبية، والرئيس توماس سانكارا في بوركينا فاسو.
يجب أولا التأكيد على هذه الأحداث المتعاقبة التي استهدفت القادة الوطنيين المخلصين. فالغرب قد استخدم أسلوب القتل ضد كل من رآه خطيرا على مصالحه. وثانيا، يأتي الفساد والاستغلال حيث يتم نهب ثروات البلاد، فموبوتو وضع ثروته هنا في سويسرا... وبخاصة أن الفساد والرشوة يدمر علاقة الثقة بين المواطن والسلطة. فالدولة حينما تكون فاسدة لا ينتمي المواطن لمشروعها ولا يتحمس له. وعندي فصل في كتابي كراهية الغرب عن الفساد.
فهو وسيلة للهيمنة الأجنبية وهذا ما بينته في معالجتي لحالة نيجيريا بالوثائق والأرقام... ونفس المشكل يتكرر في كل مكان في إفريقيا: الكونغو والنيجر ونيجيريا... فشركات النفط تدفع أموالا لهؤلاء الحكام وتفسدهم وتدعمهم... ولو حدثت انتخابات نزيهة شفافة لأوصلت إلى السلطة حكاما وطنيين مخلصين يدافعون عن مصالح بلدانهم بدل مصالحهم الخاصة. واعتبر مسؤولية الغرب مزدوجة فهو يساعد هؤلاء الحكام الفاسدين في بلدانهم ضد معارضيهم وفي الآن نفسه يستقبل أموالهم المهربة في بنوكه.
منذ انهيار الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي شهد العالم الغربي ما يمكن أن نسميه بشيطنة الإسلام والمسلمين وازدادت حدة هذه الظاهرة منذ أحداث 11 سبتمبر/ أيلول 2001. فكيف تفسر هذا الاستهداف؟
الطبقات الغربية الحاكمة تستخدم معاداة الإسلام كسلاح تكسر به التضامن الداخلي لدى الطبقات الكادحة
بالنسبة لاستهداف الإسلام والمسلمين من قبل الغرب أعتقد أنني امتلك تفسيرا لذلك بسيطا ولكنه صحيح من الناحية السوسيولوجية. إن الرأسمالية تعيش أزمة كبيرة وغايتها هو تجزئة الطبقات الشعبية. أعطى مثالا الرأسمالية الأمريكية التي نجحت في تكسير الطبقة العاملة. حيث كانت طبقة انتفاضات دائمة طيلة القرن التاسع عشر تقوم بالإضراب عن العمل وأشهر إضراب هو الذي حدث في غرة مايو/ أيار في سنة 1886 في شيكاغو حيث أصبح عيدا عالميا للشغل. لقد نجحت الرأسمالية في تكسير الإضراب بلعب ورقة العمال البيض ضد العمال السود. وأوهمت البيض بأن السود يزاحمونهم في العمل وفي معيشتهم وبأنهم أعداء لهم. يفعل الأوروبيون اليوم نفس الشيء مع المسلمين. فهم يوجهون الطبقات الشعبية نحو عدو وهمي اختلقوه لهم أي الإسلام. فالإرهاب رغم أذيته للبشر وشروره فهو من اختصاص الشرطة والأمن وليس مشكلة طائفية أو اجتماعية أو ثقافية. ولا يشكل خطرا فعليا على دول مثل بريطانيا أو فرنسا أو إسبانيا... فهو حالات فردية قليلة العدد تخص بضعة مجانين. وقد نجحت الرأسمالية في نشر صورة أسامة بن لادن كعدو للبشرية وكرجل يختزل في شخصه كافة المسلمين.
ففي فرنسا يوجد 4.5 مليون مسلم مهمش في المجتمع وتنتشر فيها البطالة بنسبة كبيرة حيث تصل إلى 12% بشكل عام و18% عند الجالية المسلمة. وما فعلته الرأسمالية هو توجيه أنظار الطبقة العاملة نحو المسلمين واعتبارهم العدو الحقيقي والرئيسي لهم. ووصل الأمر إلى منع الحجاب في المدارس ثم تتم اليوم مناقشة منع البرقع في الشارع ولماذا لا يناقشون مثلا منع وضع القبعة اليهودية على الرأس أو حمل الصليب. هذا شيء فظيع وهستيري ومعاداة الإسلام توظف اجتماعيا مثلما فعل هتلر ضد اليهود أيام النازية، أو ما فعل الرأسماليون الأمريكيون ضد العمال السود... واليوم الطبقات الغربية الحاكمة تستخدم معاداة الإسلام كسلاح تكسر به التضامن الداخلي لدى الطبقات الكادحة.
إن أحداث 11 سبتمبر هي عمل إجرامي مثل أي جرائم أخرى قد تحدث. وهي لا علاقة لها بما يدعيه الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي من أن فرنسا مهددة من قبل الإسلام. إن معاداة الإسلام هي نوع من العنصرية اليومية.
وفي فلسطين تم قصف وضرب المدارس والمستشفيات في غزة لمدة ثلاثة أسابيع ونصف. وهو ما صورته قناة الجزيرة وبثته للعالم أجمع وما قالته الأمم المتحدة. والاتحاد الأوروبي الذي وقع مع إسرائيل اتفاقية تبادل تجاري حر، حيث نجد أن الفصل الثاني من اتفاقية يونيو / حزيران 2000 يقول بأن احترام حقوق الإنسان من قبل الطرفين الموقعين هو ما يمنح صلاحية للاتفاقية. ولكن إسرائيل تخترق هذه الاتفاقية، فهي تعذب في سجونها الفلسطينيين وتقتل الأطفال والنساء والشيوخ منهم... والاتحاد الأوروبي لا يحرك ساكنا فكل ما فعله هو تجميد تصدير السلاح لمدة ثلاثة أسابيع لإسرائيل وهو موقف مرتزق وغير مفهوم ومرفوض.
كيف تفسر الموقف الأمريكي من الصراع في الشرق الأوسط؟
الولايات المتحدة الأمريكية وضعها مختلف. فهي تنتج 25% من الإنتاج الصناعي العالمي وهي أقوى بلد صناعي في العالم رغم أن عدد سكانها لا يتجاوز ثلاثمائة مليون نسمة. وهي تستهلك يوميا حوالي عشرين مليون برميل نفط تنتج منها فقط ثمانية ملايين وتستورد اثني عشر مليون الباقية وأغلبها يأتي من منطقة الشرق الأوسط. لذلك هي تحتاج إسرائيل كشرطي في المنطقة يحمي مصالحها النفطية ويمكنها الاعتماد عليه دائما على عكس بقية الحكومات الأخرى. إذ يمكن في أي دولة عربية أن يحدث تغيير في رأس الحكم ويظهر نظام يصعد الوضع هنا إسرائيل تتدخل وتهاجم. إذن السياسة الأمريكية عندها أسباب إستراتيجية لكن السياسة الأوروبية تجاه فلسطين اعتبرها سياسة جبانة.
من غير المفهوم أن يحصل الرئيس أبوما على جائزة نوبل للسلام فقط بعد أربعة أيام من قوله إنه يريد أن يرسل ثلاثين ألف جندي أمريكي إضافي إلى أفغانستان والأفظع أنه أعلن أن منطقة وزيرستان في باكستان هي منطقة قابلة للضرب والقصف الحر في أي وقت. وهو ما يعني قتل مئات من النساء والأطفال والفلاحين.
بعد احتلال العراق سنة 2003، هل تعتقد اليوم بوجود مخطط لمهاجمة إيران وضربها أو احتلالها؟
طبعا. إن الأمريكيين قد فهموا أن إسرائيل تلعب دورا محوريا لحماية مصالحهم واليهود رغم قلتهم على المستوى العددي إلا أنهم مؤثرين جدا في واشنطن . نعوم تشومسكي يقول "إن السياسة الخارجية الأمريكية تصنع في تل أبيب". وبما أن الإسرائيليين لا يريدون أن تكون إيران بلدا قويا ذو سيادة ويمتلك السلاح النووي، وأنا لا أرى مشكلا في أن تمتلك إيران السلاح النووي، رغم رفضي لهذا السلاح بشكل عام، بما أن دول كثيرة أخرى تمتلكه. فبأي حق تمنع إيران من امتلاك السلاح النووي ويسمح للآخرين وبمن فيهم إسرائيل امتلاكه.
ولكن هل تعتقد بأن إيران ستضرب عسكريا؟ ألا تجد أمريكا حرجا في ضربها مع وجود الشيعة المقربين لإيران في الحكم في بغداد؟
لا أعرف بالضبط، لكن عندك حق من أن أمريكا ستواجه رفض الشيعة الذين يحكمون في العراق وإمكانية إغلاق مضيق هرمز وهو ما سيؤدي إلى كارثة كبرى للأمريكيين. ورغم استبعادي لذلك، فإنهم بسبب تحكم الإسرائيليين فيهم فإن كل شيء ممكن الحدوث.
هل تعتبر أن صعود الصين على الساحة الدولية بشكل مدهش صناعيا واقتصاديا يمثل أملا للعالم الثالث في التصدي للهيمنة الغربية؟
وضع الرئيس الصيني الأسبق دينغ كسياو بنغ بلاده رهينة للرأسمالية وقضى على الامتيازات الاجتماعية للطبقات العاملة والفلاحين
كلا. إن وضعها هو الأسوأ. فهي تعيش تحالفا بين أسوأ الشيوعيين مع أسوأ الرأسماليين. فمن جهة هي تعد 1.4 مليار ساكن وهي دولة شمولية حيث يوجد نظام الحزب الواحد ودكتاتورية بوليسية. وبخاصة أن الشركات الاقتصادية فيها يديرها أبناء وبنات النومنكلاتورا (النخبة الحاكمة صاحبة الامتيازات). وفي الصين يوجد فقر مريع يعيشه مئات الملايين من العاملين والنازحين من الريف وحيث يعد فيها الإضراب عن العمل جريمة اقتصادية وكذلك تعاني الأقليات الإثنية فيها من الاضطهاد مثل المسلمين الإيغور والبوذيين التيبيت والمنغول من قبل القوات المسلحة. فهي بالتأكيد واحدة من أبشع الدكتاتوريات إلى جانب كوريا الشمالية. وفي نفس الوقت معك الحق حينما تقول إن نظام رأسمالية الدولة في الصين في حالة ازدهار كبيرة جدا بنسبة مئوية قوية تتجاوز العشرة في المائة سنويا. ولكنها في إفريقيا تقوم بالنهب الاستعماري، إن 11% من البترول الصيني يأتي من السودان. إضافة إلى أن الأوليغارشية المالية الصينية مثلها مثل نظيرتها الهندية هي مندمجة بشكل كامل في النظام الرأسمالي الغربي. فهي تقرض المال للأمريكيين وهؤلاء يستثمرون فيها... رغم أن الحضارة الصينية رائعة وثرية وغنية وهي عريقة.
ألا تعتقد أن الصين ستهيمن على العالم مستقبلا بما أنها في حالة نمو اقتصادي قوي جدا يتجاوز العشرة بالمائة سنويا في حين أن الاقتصاديات الغربية ومنها الأمريكية تعاني من ضعف في النمو أو حتى من الانكماش؟
في سنة 2008، تجاوز شراء الأسلحة لأول مرة ألف مليار دولار وسيطرت الولايات المتحدة الأمريكية على 41% من هذا المبلغ الهائل. بينما كان نصيب الصين 11%. والنمو الاقتصادي لا يعني شيئا كبيرا حينما يتعرض المجتمع إلى التفكك. والصين تتعرض إلى هذا التفكك حيث إن العمال يتم استغلالهم بشكل فضيع... في المناطق الصناعية في الجنوب. ولا اعتقد أنه سيحدث فيها نفس الشيء مثلما حدث في الاتحاد السوفيتي... لقد وضع الرئيس الصيني الأسبق دينغ كسياو بنغ بلاده رهينة للرأسمالية وقضى على الامتيازات الاجتماعية للطبقات العاملة والفلاحين.
_______________
باحث تونسي
المصدر: مركز الجزيرة للدراسا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق