مرحبا بزوار التقدمية

مرحبا بالزوار الكرام لمدونة التقدمية. هذه المدونة تتبع صحيفة التقدمية الأصلية وهذا موقعها http://www.taqadoumiya.net/. تعرضت للضرب والحذف فجر يوم 3 سبتمبر وتم استعادتها في آخر يوم 4 سبتمبر بعد الاتصال بشركة غوغل... قد تضرب في أية لحظة مرة أخرى فالرجاء من القراء المهتمين بالمقالات تسجيلها أو طبعها أو البحث عنها عبر غوغل في مواقع أخرى...

الأربعاء، 15 ديسمبر 2010

مستقبل السعودية على الفيس بوك بقلم الدكتورة مضاوي رشيد


مستقبل السعودية على الفيس بوك

بقلم الدكتورة مضاوي رشيد

مقال نشر في القدس العربي بتاريخ 29-11-2010

لقد جاء الفيس بوك رحمة للعباد وخاصة الشعوب المغيبة عن صنع القرار والمشاركة في الشأن العام، وبينما هو للدردشة والتسلية في معظم دول العالم التي وفرت لشعوبها قنوات للتعبير وحريات عامة نجد ان الفيس بوك اصبح مجتمعنا المدني ومؤسستنا المستقلة وتجمعنا الممنوع في العالم الافتراضي ننتشل به انفسنا من سوط الرقيب ولو لمرحلة قصيرة وننفس على صفحاته عن نفوسنا المأزومة وهمنا الجمعي. لقد تحول الفيس بوك في بلد كالسعودية الى نبض الأمة وحزبها وصفحة رأيها ووجهها الحقيقي بعد ان وشحت الوجوه واسودت الملامح نتيجة عقود من الرياء والنفاق والمواربة وعدم تسمية الاسماء بأسمائها، والهروب الجمعي من المسؤولية ومواجهة الحاضر والمستقبل الذي ستتغير ملامحه دون ان يكون للمجتمع اي مساهمة في رسم صورته الجديدة. لولا الفيس بوك لتحول المجتمع الى صنم كبير حنطته عقود طويلة من الاستهلاك واللامبالاة بالمصلحة الجماعية. ولا يزال المجتمع ينتظر ما ستسفر عنه الايام او الاسابيع القادمة حيث تظل معضلة وراثة الحكم معلقة لم تحلها هيئة البيعة المزعومة.

في جو الانتظار هذا تتجه الاقلام الى الفيس بوك وكان منها قلم جريء طرح عدة اسئلة لا يجرؤ على طرحها اكبر صحافيي السعودية الذين يزعمون ان مجال الحرية وسقفها في الصحافة قد وصلا الى اعلى المستويات في ظل الحكم الحالي، وهو قلم احد اساتذة اصول الفقه في كلية الشريعة الدكتور محمد العبد الكريم المعروف من خلال قناة دليل. وجاء الكاتب بنقد مشروع لحالة الركود والانتظار وعبر عن مخاوف حقيقية من التفكك والاحتراب في حال انفجار صراع الاجنحة الحاكمة، وتساءل عن موقف المجتمع في حال حدوث صراع عائلي مسلح وهو احتمال لا يستبعد خاصة وان الاجنحة الحاكمة هي بالفعل مسلحة ومستقطبة لشرائح اجتماعية تمت عسكرتها من قبيلة مرورا بحضر والى ما هنالك من اطياف متنوعة اجتماعية.
واشار الكاتب الى تعطيل مسيرة الاصلاح السياسي الفعلي الذي ارتبط بمشيئة الدولة واهوائها. ويبدو ان الكاتب قد فقد الامل من العلماء بعد سكوتهم وبحثهم عن تأويلات شرعية تبرر هذا السكوت وتقبل بانعدام الحراك ووضع امله في ما سمي بالصحوة السياسية المتنامية والتي قد تكون مؤهلة للقيام بالتكليف الشرعي في ظل غياب الفعاليات الأخرى.

ورغم اننا نشيد بجرأة الكاتب ونقدر اهتمامه بمصير البلاد والعباد الا اننا بحاجة لمراجعة مواقف الصحوة خلال العقد المنصرم والتي اشبه ما تكون بموقف الذي يقود العطشان الى بئر الماء فينزل دلوه ومن ثم يقطع عليه الحبل، مما ادى الى غرق البعض وعودة البعض الآخر الى قواعده دون ان يروي عطشه.

هذا هو حال الصحوة التي مهدت وفتحت الباب على مصراعيه أمام الفكر السياسي ومن ثم اغلقته بعد ان تعرضت لضغوط طالت رموزها واتباعهم ليتحول هؤلاء عن مسارهم وينضموا الى طيف المنظرين بشؤون العبادة والطهارة، ومؤخرا يبدو ان الجميع قد انشعل وانفتن بموضوع المرأة. من عالم رسمي الى آخر مستقل استطاع هؤلاء ان يتقوقعوا خلف مواضيع ساخنة كالاختلاط وقيادة السيارة. لقد تحول اسلاميو السعودية الى فقهاء يفتون في السينما والمسرح و'الكاشيرات' ورضاعة الكبير الى ما هنالك من مشاغل تعتبر مصيرية بالنسبة لهم، ونجحت مخططات الدولة في تهميش الحراك السياسي والقضاء على اطروحات التغيير التي راودت البعض وانتهت المطالبة بالاصلاح السياسي الى طريق مسدود مما جعل المجتمع مكشوفا لاي توقع او سيناريو لا يكون في مصلحته، واصطدم الحراك السياسي بفقه العصور الغابرة الذي نما وترعرع في مراحل هزيمة المجتمع وانتصار السلطة المطلقة مما ادى الى تفريغ مصطلحات الشورى والعدل واهل الحل والعقد واهل الشوكة من معانيها لتتحول الى اساطير تضفي غطاء شرعيا على اسوأ اشكال الحكم التسلطي والتفرد بالقرار وعزل المجتمع عن محاور السياسة والمصلحة. وبدل ان يرجع هؤلاء الى نصوص ربانية يقرأونها بمنظور احتياجات ومتطلبات المرحلة الحالية فيردمون الهوة بين القديم والحديث نراهم يجترون فقه التراجع عن المسؤولية ويستشهدون بأئمة العصور الغابرة الذين يتزلفون على عتبات السلاطين ويستجدون الحظوة في مجالسهم. لقد انتصر فقه الغلبة والتفرد بالسلطة على اسمى المعاني والمثاليات بل اصبح المرجع الوحيد الذي من خلاله يستقيل المرء من مسؤوليته ويسلم امره الى حفنة صغيرة من المستأثرين بالحكم والذين ينخرطون في حلبة المنافسة خلف الكواليس وربما في اروقة المستشفيات والمجتمعات علهم يتقاسمون الكعكة الكبيرة ما يوفر لكل منهم نصيبه الذي يعتبره حقا إلهياً. لقد تناسينا فكرة الرهط الذي يتقدم بمطالبه ويحاور المتسلط ليحد من تسلطه وينهى المستفرد بالرأي، وهجرنا مصطلحاتنا السابقة ولم يبق لنا سوى صفحات الفيس بوك نخط عليها احزاننا ونتباكى على مصيرنا المجهول وبعد ذلك نستحضر مسميات كالصحوة وما هي الا لحظات عابرة بددها جمود الفقه وقمع المتسلط واسترخاء المجتمع وانخراطه في متاهات الاستهلاك الضاربة في قلبه. يجتر البعض انجازات المراحل السابقة من تنمية وتطور لنجد انها لا تتعدى فتح الابواب على السوق العالمي الكبير واستيراد صرعاته القديمة والجديدة وايقوناته الكبيرة والصغيرة.

لقد استبدلنا المسؤولية الجماعية بالعملية الشرائية واصبحنا نقيس نجاحنا او فشلنا على ميزان الاستهلاك فكلما انخرطنا في صرعات العصر كلما أثبتنا للعالم اننا شعب متحضر 'مودرن' وليس همجيا من مخلفات العصر الحجري. في مجتمع كهذا تنعدم الاصوات المسؤولة الا قلة قليلة ربما اليوم ليس لها سوى الفيس بوك واخواته خاصة بعد ان اقفلت المنابر في وجه اي خطاب سياسي يحمل هم الشأن العام وحدة الاوطان ومصير الحكام. وتتفرج الاكثرية الصامتة على العالم يناقش شأننا ومستقبلنا دون ان نستطيع ان نسجل سطرا واحدا على منبر ما وكأن هذا الامر لا يعنينا او انه من اختصاص الآخرين. لا نستغرب عملية الهروب الجماعي الذي يمارسه المجتمع اذ انه منغمس في الاستهلاك والمصالح الشخصية لدرجة انه تحول الى حركات سكون لا تنتفض الا عندما تواجه 'الكاشيرة' في المحلات التجارية حينها تستنهض الأمة دفاعا عن الشرف الرفيع الممتهن ولا تحرك اطيافها عندما تواجه فسادا او ظلما او فقرا في اغنى دول المنطقة ناهيك عن فراغ سياسي محتمل خلال الاعوام القليلة القادمة. ولا بد ان نحيّي اقلام الفيس بوك فهي على الاقل استطاعت ان تحدث ثغرة في بحيرة الصمت وحركت الركود عندما تطرح الاسئلة بجرأة ووضوح هذه الاسئلة التي لا تظهر على الملأ بل تبقى حبيسة المجالس الخاصة والحوارات الضيقة. ولكن قبل ان نعلق الآمال على صحوات الداخل السعودي نعتقد انها تواجه ضبابية في الهدف وعدم تعريف للاستراتيجية، ويجب عليها ان تسأل نفسها اسئلة كثيرة من اهمها ماهية الحكم وفقهه بعد ان ميعت الدولة مفهوم الحكم في الاسلام الذي لم يبق منه سوى رفع الشعار والتلويح بالشريعة وليس من الصعب على هذه الصحوات ان تعيد النظر في اولوياتها وتنفض عنها غبار الجدران التي اصطدمت بها وخاصة الفقهية منها حتى تحولت الى بوق آخر يضاف الى الابواق الرسمية من علماء ودعاة ينشغلون بمعارك النساء حيث لهم صولات وجولات، بالاضافة الى الاطياف التي تعتبر نفسها الوجه الحضاري الجديد الذي يستميت في الدفاع عن التركيبة السياسية الحالية على صفحات الجرائد وشاشات التلفاز. وطالما ظلت اطياف المجتمع السعودي مغيبة عن صنع القرار كلما ازدادت خطورة الوضع الداخلي الذي يبقى مرهونا بإرادة احادية لا تسمح للمجموعة ان تشاركه هموم الدولة ومخاطر التفكك والانهيار في منطقة عربية تتآكل فيها هيبة الدول ويزداد فيها التدخل الخارجي واعادة رسم الخرائط بطريقة لا تصب في المصلحة الجماعية لكل منطقة. والسعودية ليست محصنة من هذه المخاطر بسبب ثروتها بل ان هذه الثروة هي ربما الحافز الاكبر للتدخل واللعب بنسيجها الاجتماعي وجغرافيتها الحديثة وتبقى الحصانة الوحيدة في قوة المجتمع وتماسكه عبر المؤسسات وليس الشعارات الخلابة، وبانتظار هذه النقلة النوعية ليس للمجتمع خيارات على ما يبدو سوى خيارات الفيس بوك.

' كاتبة واكاديمية من الجزيرة العربية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق