مرحبا بزوار التقدمية

مرحبا بالزوار الكرام لمدونة التقدمية. هذه المدونة تتبع صحيفة التقدمية الأصلية وهذا موقعها http://www.taqadoumiya.net/. تعرضت للضرب والحذف فجر يوم 3 سبتمبر وتم استعادتها في آخر يوم 4 سبتمبر بعد الاتصال بشركة غوغل... قد تضرب في أية لحظة مرة أخرى فالرجاء من القراء المهتمين بالمقالات تسجيلها أو طبعها أو البحث عنها عبر غوغل في مواقع أخرى...

الاثنين، 15 نوفمبر 2010

سامي شرف مدير مكتب عبد الناصر للمعلومات ومستودع أسراره


محمد حسنين هيكل فتح درج مكتبي وأخذ أوراقي عندما اعتقلني السادات في مايو 1971

* لم تعط أجهزة الدولة معلومات خاصة لهيكل
* تصلني يوميا عشرة آلاف رسالة باسم عبد الناصر
* حاول عبد الناصر أن لا ينفرد هيكل بمنصب الصحافي الأول
* قواعد الاتحاد الاشتراكي كانت رافضة لترشيح السادات رئيسا للجمهورية
* قبل 20 أبريل 1971، لم نكن نعرف مع من كان هيكل، معنا أم مع السادات
* إنني اتهم هيكل بتخدير شعراوي جمعة
* كلا، هيكل ليس بمهندس انقلاب مايو 1971
* اعتقد أن هيكل في كتاباته، تجاوز بعض الحقائق، وتجاهل أخرى وغير بعضها
* هيكل ليس بمؤرخ الناصرية.

القاهرة ـ  رياض الصيداوي
حينما سألت صديقا مصريا، عن إمكانية أن يدلي الأستاذ سامي شرف، مدير مكتب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر ووزير شؤون الرئاسة، بحديث يسجل فيه شهادته حول محمد حسنين هيكل، الموضوع الذي أبحث فيه في كتابي، أجاب بأن ذلك شبه مستحيل لأن الرجل لم يتحدث إلى أحد منذ سنة 1971 تاريخ اعتقاله، لكنه قال: الأستاذ عبد الله إمام صديقه، لو تخاطبه قد يتمكن من إقناعه، وفعلت... وجاءني الرد إيجابا، ودخلت بيتا متواضعا  في مصر الجديدة، استقبلني فيه الأستاذ سامي شرف بحفاوة وكرم كبيرين، وبعد حديث قصير عن تونس وأخبارها، بدأنا اللقاء، وسجلنا ساعة ونصف عن هيكل، تعرضنا فيها إلى نقاط غامضة، وإلى أسرار لم تذع من قبل، وقبل أن أودعه قال: هل أطلب منك طلب، أجبت طبعا بكل سرور، قال: أريدك أن تعطيني نسخة من التسجيل، وأنا أفعل ذلك حتى تعود وأحدثك فيما تشاء من معلومات وأسرار لم أتحدث عنها منذ اعتقالي سنة 1971.
وعدت وفتح كاتم أسرار عبد الناصر الباب على مصراعيه لاطلع على تاريخ بلاده وقمنا بأربع جلسات سجلنا فيها تقريبا كل شيء عن عبد الناصر والإخوان المسلمين وعن علاقة الريس (كما كان يلقبه طوال الحديث) بالشيوعيين وبالاتحاد الاشتراكي وعن هزيمة 1967 وصراعه مع صلاح نصر وعبد الحكيم عامر وعن محاولات الحركة العربية الواحدة وعلاقاته بحركات التحرر العربية وعن التعددية السياسية في عهد عبد الناصر ومشروع تعدد الأحزاب الذي لم يتمكن من إنجازه وعن انقلاب السادات في مايو 1971.
      وتضمن الحديث أسرارا كثيرة بعضها رفض الأستاذ سامي شرف تسجيلها فكان يطلب مني من حين إلى آخر إيقاف المسجل، خاصة عندما يمس الحديث شخصا في سلوكه وحياته الشخصية... وفي آخر جلسة طلب مني عدم النشر إلا بموافقته، وألح في ذلك ووعدته أنا بدوري، لكن هذا الوعد لا يتضمن الحديث عن محمد حسنين هيكل باعتباره جزء من البحث الذي أقوم به وهو سينشر على أية حال...
الأستاذ سامي شرف رجل هادئ، قوي البنية، شديد التواضع، لا يملك بيتا ولا سيارة فارهة، فقط واحدة من نوع نصر 128. يجيب على كل الأسئلة مهما بلغ إحراجها، ويعتز بأنه كان الأقرب إلى قلب جمال عبد الناصر طوال فترة حكمه حتى وفاته...
وهذه تفاصيل الحوار:

* كيف تعرفت على محمد حسنين هيكل؟

** كان ذلك سنة 1954 أو 1955.

* الزعيم الراحل جمال عبد الناصر كانت له مجموعة من مصادر المعلومات البعض يقول أن هيكل له تأثير كبير على الرئيس باعتباره يوفر له كمية هامة من المعلومات؟

** هيكل كان أحد مصادر المعلومات باعتبار عمله الصحفي ووجوده في وضع قيادي في مجال تخصصه. لكن بالنسبة لتدفق المعلومات للرئيس جمال عبد الناصر، فقد كان يتميز بالتنوع وعدم الأحادية حتى لا يصبح أسير جهة واحدة أو جهتين، وبالتالي طبيعة تكوين الرئيس كقائد خطط ونفذ ثورة 23 يوليو 1952 تجعله لا يكتفي بمصدر واحد ولنوضح هذا الكلام فنقول:
إن مصادر المعلومات عند عبد الناصر تنقسم إلى قسمين:
- القسم الأول تشكله المصادر العلنية وتشمل الصحافة، الإذاعات العالمية بمختلف اتجاهاتها، الدوريات، النشرات، الدراسات والكتب، فكل ما هو منشور ومسموع ومرئي كان يسعى للاطلاع عليه.
 وتشمل المصادر العلنية أيضا رسائل المواطنين وكانت كثيرا جدا حتى أنها تتعدى في بعض الأحيان، وفي اليوم الواحد عشرة آلاف رسالة. وفي بعض الأحداث التاريخية تصل الأرقام إلى مئات الألوف من الرسائل في اليوم موجهة لجمال عبد الناصر. وهي تأتي من مصريين وعرب ومن أمريكا اللاتينية وأستراليا ومن بلدان أخرى.
      مجموعة هذه الرسائل كانت تعطي لجمال عبد الناصر صورة حية نابضة عن مشاعر الجماهير وما تريده.
     - أما القسم الثاني من المعلومات فهو المعلومات المغطاة، وهذه المعطيات السرية تصله من الأجهزة المختلفة ومن لقاءات واتصالات شخصية، على سبيل المثال بعض رؤساء الدول يبعثون له بموفودين يتحدثون في مواضيع ذات طابع سري كنوع من أنواع جس النبض أو محاولة معرفة وجهة نظر جمال عبد الناصر. ومن هذه اللقاءات كان الرئيس يتحصل على كم من المعلومات تساعده في اتخاذ القرار المناسب.
إضافة إلى كل ذلك هناك تقارير الوزارات والمؤسسات الرسمية وهي الجهات الخبيرة المطلعة.
استنتاجا لا يمكن القول بأن جمال عبد الناصر يعتمد على مصدر واحد فقط ومحمد حسنين هيكل كان أحد المصادر المنظمة المرتبة.

* حسنا هذا فيما يخص اتجاه المعلومات من هيكل والمصادر الأخرى إلى جمال عبد الناصر، فماذا عن الاتجاه المعاكس أي اتجاه المعلومات من الرئيس وأجهزة الدولة إلى محمد حسنين هيكل وبخاصة أن الرجل شحن كتبه بكمية كبيرة من الوثائق بالغة السرية؟

** والله أنا سمعت كثيرا عن هذا الموضوع عندما كنت في مركز السلطة مسئولا عن مدير مكتب الرئيس ووزير سكرتارية شؤون الرئاسة لم يتجاوز حجم الوثائق التي كانت تعطى للأستاذ هيكل المسائل العلنية المباحة، أما الوثائق السرية فلم تخرج من المكتب أبدا، لذلك، أنا وقد أكون مخطئا، وربما لأن هذا الأمر حصل وأنا في السجن سمعت من بعض الأشخاص أن أنور السادات سمح بعد انقلاب مايو 1971 لهيكل أن يدخل مكتبي ويأخذ ما يشاء من أوراق.
والذي يؤكد لي هذه المعلومات أن هناك وثائقا نشرت في كتب الأستاذ هيكل لم تعط له قطعا ويقينا وخصوصا تلك الأوراق التي كتبتها بخط يدي وكانت موجودة في مكتبي الشخصي وبالتحديد في درج مكتبي الخاص وحصل عليها وأنا لم أعطه شيئا، لذلك اعتبر الرواية التي قيلت أقرب إلى الصحة.

* قبل أن يلمع نجم هيكل الصحافي كمقرب لعبد الناصر ألم يحاول صحافيون آخرون أن يقوموا بدور القريب من الرئيس الراحل؟

** ليس صحافيون آخرون حاولوا لعب الدور، وإنما عبد الناصر نفسه حاول إيجاد دور لهم يعني أن الرئيس كان متضايقا في أعماقه من أن هيكل هو الوحيد القادر على التعبير عن النظام وكثيرا ما حاول طوال 18 سنة أن يعطي الفرصة لآخرين لكنهم لم يستطيعوا أن يثبتوا وجودهم. ومن هنا أقول أن هيكل محترف، ممتاز، ذكي، لماح، وله قدرة فائقة على التعبير.
وهذه مسألة موهبة. وأنا اعتبر أنه يمثل آخر العمالقة في ميدان الصحافة.

* هل يمكن أن نعرف من هم الذين أعطاهم عبد الناصر الفرصة ولم ينجحوا؟

** الرئيس حاول أن يعطي الفرصة لأكثر من عشرة صحفيين مثل أحمد بهاء الدين، كمال الحناوي، جلال الحمامصي وربما تندهش لذلك، حلمي سلام... لكنهم لم يستطيعوا النجاح في ما نجح فيه هيكل.

* هل كان لهيكل دور رئيسي في صياغة خطب عبد الناصر؟

** صياغة الخطب كانت تتم على النحو التالي: الرئيس يفكر ويضع نقاط للخطاب ثم يستدعى هيكل ويجلسان مع بعض ويتكلمان فيها ثم يصيغها هيكل. وهذا شيء طبيعي لأنه لم يوجد رئيس يكتب خطبه دائما بنفسه.

* ومكتب المعلومات الذي ترأستموه ألم يكتب خطبا لجمال عبد الناصر؟

** حاولنا في مناسبات قليلة، ونحن لسنا حريفين فمال الرئيس إلى محترف. أما واجبنا نحن فهو تجميع المعلومات.


* الصورة السياسية في الستينات كالآتي:  الرئيس جمال عبد الناصر بطل كاريزمي، عبد الحكيم عامر وصلاح نصر كتلة تعمل في الجيش والمخابرات، ومجموعة الاشتراكيين المتشددين متكونة من المرحوم علي صبري والمرحوم شعراوي جمعة والأستاذ سامي شرف. محمد حسين هيكل أين يتموقع في هذه الصورة وهو يبدو غريبا في هذا المشهد بدون علاقته مع الرئيس الراحل؟

** أنت سألت وأجبت،  فهيكل  كان يعتبر علاقته مع عبد الناصر علاقة شخصية أكثر منها علاقة عامة ولا أكتمك حقيقة نفس العلاقة التي كانت بيني وبين الرئيس الراحل، فعلاقتي معه يصعب جدا أن أترجمها بالألفاظ.

* علمت أنه بعد وفاة الرئيس كنت الوحيد الذي يزور قبره يوميا.

** نعم، صحيح

* الفكر السياسي عند هيكل، ألا يبدو أنه الأقرب إلى الفكر الغربي الليبرالي من قربه إلى  الفكر الاشتراكي الشعبي؟

** أنا من معايشتي لهيكل اعتقد أن توجهه ليبرالي، ومن خلال علاقته الخاصة مع الرئيس استطاع أن يتعايش مع التحول الاجتماعي، والدليل على توجه هيكل الليبرالي، مثلا، امتلاكه لعزبة خاصة، وحياته حياة طرية، أصدقاؤه الحميمين جدا من أنواع السيد مرعي. وفي نفس الوقت علاقته بعبد الناصر جعلته لا يتمادى في ذلك.
(وهنا أوقفت جهاز التسجيل بطلب من الأستاذ سامي شرف وتحدث عن بعض الأشياء التي لم يرد نشرها) ثم عاود التسجيل ليقول : أنا أريد أن أدافع لا أن أهاجم وأنظر إلى الأمام، إلى المصلحة العامة وهي تقتضي أن نرتفع عن أشياء تفصيلية تؤذي وضعنا رغم معرفتي أنها حقائق فعلا ويجب أن تذكر لكن ليس كل ما يعرف يقال.

* مقاطعا، التاريخ لا يرحم وهذه شهادة له يا أستاذ سامي.

** صحيح التاريخ لا يرحم وأنا إنسان تتلمذت على يد جمال عبد الناصر وعشت معه طوال التجربة بحلوها ومرها ثم بعد وفاته ذقت عذابا كبيرا في سجون السادات رغم ذلك أنا لا امتلك أي شيء. وفي عهد عبد الناصر كنت "على الحجر" أستطيع أن أفعل ما أشاء بلا حسيب ولا رقيب. كنت أقدر مثلا أن امتلك بيتا أؤمن به أولادي بعد وفاتي ولكني إلى اليوم لا أملكه وربما يدخل هذا في التوجه العام وهو توجه عبد الناصر الذي يعتبر أن الملكية يجب أن تكون في حدود عدم الاستغلال.

* الاتحاد السوفيتي عبر في بعض المناسبات عن عدم ارتياحه لمحمد حسنين هيكل في حين أنه مرتاح للمرحومين على صبري وشعراوي جمعه، كيف تفسر هذا الموقف؟

** أنا كمواطن مصري عربي لا يهمني موقف موسكو ولا واشنطن وما يعنيني هو مصلحة بلدي وأمتنا العربية. وإذا كان فلان أو علان يرضى عنه المندوب الأمريكي أو السوفيتي فهذا شيء لا يهمني بتاتا. لكن من أجل قضايا معينة، وبما أنك في دولة والعالم يحكمه قطبان كبيران، وسياسة عبد الناصر كانت متوازنة وفي بعض الحالات كانت العلاقات مقطوعة مع الولايات المتحدة الأمريكية في حين تزودنا بثلاثة أرباع قطع غيار مصانعنا مثلا وألمانيا الغربية كانت تسلح إسرائيل ورغم ذلك قامت بمجمع كيميائي كبير جدا في أسوان... فسياستنا في عهد عبد الناصر كانت متوازنة تراعي مصلحة وطننا وأمتنا العربية. 
أما مسألة دولة راضية عن فلان أو غير راضية فهذه المسألة لا تعنينا تماما وتعتبر نكتة نمزح بها...
واعتبارا لتوجهات هيكل الليبرالية فهي لم تعجب الاتحاد السوفيتي، وفي نفس الوقت كانت مقالاته الوطنية لا تعجب أمريكا.

* ليلة 28 سبتمبر 1970، عند وفاة الرئيس جمال عبد الناصر حدث اجتماع لأركان الدولة لبحث مستقبل البلاد. ما الذي دار في هذا الاجتماع؟ وأين كان موقع هيكل في المشهد؟

** بعد الوفاة وإقرارها من قبل الأطباء حصل اجتماع في بيت الرئيس عبد الناصر تحديدا في الصالون التحتي وحضره أنور السادات وحسين شافعي وعلي صبري وشعراوي جمعه والفريق محمد فوزي ومحمد حسنين هيكل وأنا ولا أتذكر إن كان أمين هويدي حاضرا أم لا. وتم نقاش سريع حيث كنا جميعا مرتبكين وما وقع تناوله كان مجرد رأس الموضوع حول "ماذا بعد"، وبدون تردد وبدون أي نقاش أحادي أو مزايدة اتفقنا جميعا على سيادة الشرعية، ليه؟ حتى يضرب المثل للشعب المصري والأمة العربية وللعالم أن هناك مؤسسات تركها عبد الناصر قادرة في غيابه أن تسير الأمور وفق ما كان يريد.
بعد ذلك اتفق على عقد اجتماع مشترك لمجلس الوزراء واللجنة التنفيذية العليا للاتحاد الاشتراكي في القصر الجمهوري بالقبة وتم الاجتماع وأبلغ الحاضرون بالوفاة وأقررنا استمرار الشرعية واتفقنا على بيان صاغه هيكل يلقيه أنور السادات ينعى فيه الشعب المصري والأمة العربية في وفاة زعيمها.

* في هذين الاجتماعين ألم يكن لهيكل دور واضح في ترشيح السادات للرئاسة؟

** نحن اتفقنا على الشرعية، وهي تعني أن هناك نائبا للرئيس يتولى الرئاسة والنقاط التي أثيرت واختلف فيها أستطيع أن أقول لك أنها لأسباب شخصية. فالمعترض الوحيد كان حسين الشافعي لأسباب شخصية محضة، ونحن قلنا أن نائب الرئيس هو الذي يجب أن يباشر مهام الرئيس وأثيرت نقطة دستورية وناقشناها وهي هل يتولى أنور السادات قيادة مصر لغاية إزالة أثار العدوان أو حتى نهاية ولاية الرئيس عبد الناصر.

* هل يمكن أن نعرف من الذي أثار هذه النقطة؟

** الذي أثارها أنور السادات نفسه حيث قال أريد أن أبقى في هذه الرئاسة حتى إزالة أثار العدوان. وهذا يدل على أن المعركة كانت قريبة جدا فعبد الناصر كان قد عين تاريخا لعبور قناة السويس ولتحرير الأرض العربية وهذا رد على الذين قالوا أن ليس هناك خطة واجتهدوا اجتهادات مغرضة. أما نحن فقلنا له أكمل المدة الرئاسية، وبدأت سلسلة الإجراءات القانونية حيث تجتمع اللجنة التنفيذية العليا وتسمى المرشح، ثم يزكيه مجلس الأمن وفيما بعد تقع الانتخابات. وأعترف أننا هوجمنا جميعا من قواعد الاتحاد الاشتراكي وقالوا "كيف يصبح أنور السادات رئيسا؟"، ويثبت ذلك في محاضر الجلسات مكتوبة ومسجلة في نقاشنا مع قواعدنا. وكانت الشرعية دائما نصب أعيننا.

* عبد الناصر  كان يعرف طبيعة وحقيقة أنور السادات، فكيف عينه نائبا لرئيس الجمهورية، وهو ما اعتبره البعض خطأ عبد الناصر الفادح طوال حياته؟

** الموضوع ليس موضوع خطأ أو صواب. في الحقيقة إن مسألة تعيين أنور السادات نائبا لرئيس الجمهورية مسألة خاصة. فأنور السادات كان عضو مجلس قيادة الثورة الوحيد الذي لم يعين في هذا المنصب وعبد الناصر تقيد ببيان 30 مارس 1968 الذي أمر بالتغيير الشامل الكامل، والذي كان عبد الناصر مصرا على تنفيذه، ووفاء منه لزمالة تاريخية عين أنور السادات لرئيس الجمهورية لمدة عام، وذلك لأنه لا يتحصل على الراتب التقاعدي لأي وظيفة إلا بعد سنة من العمل فيها. وقد كان بالنسبة لعبد الناصر مطيعا وأمينا.

* بالنسبة لبيان 20 مارس 1968 ورد فيه أنه سيحصل تغيير شامل في الأسلوب والحكم. فما هي ملامح هذه التغيرات ؟

** نعم جاء فيه ذلك، وأهم شيء مس العمل السياسي. وكان عبد الناصر  يقدر أنه في سنة 1975، سيكون هناك تعددية حزبية وبدأ التفكير، تحديدا في أغسطس ،1967 في قيام حزبين: واحد يمثله الاتحاد الاشتراكي العربي وحزب آخر معارض.

* هذا الحزب المعارض ما هي أهم سماته؟

** هناك اتفاق على الخط الاستراتيجي العام، ولكن معارض في وسائل التنفيذ وأسلوب التنفيذ.

* هل كانت هناك تسمية معينة لهذا الحزب؟

** كلا، لم تكن هناك أية تسمية.

* الحزب المعارض، سيتشكل من داخل الاتحاد الاشتراكي أم من خارجه؟

** من خارج الاتحاد الاشتراكي طبعا، إذا كان من داخله فالمسألة تصبح مجرد تمثيل، وهذا لم يكن واردا، فالرئيس قال: يمكن أن يعمل علي صبري، وعبد المحسن أبو النور حزب معارض، ولكن في هذه الحالة لن يصبحوا حزبا وإنما تيارا لأنهم من الاتحاد الاشتراكي، لكن إذا جاء واحد مثل كمال الدين حسين أو عبد اللطيف بغدادي،- وهما لا ينتميان إلى الاتحاد الاشتراكي ولكنهما ينتميان إلى الثورة وملتزمان بها أدبيا – فيصبح الأمر معقولا، وهذه كانت نقطة الانطلاق، لكن فيما بعد أجلت هذه الفكرة نتيجة الانغماس في عملية التحرير.
... ولقد كان عبد الناصر جادا في مسار التعددية الحزبية وليس فقط حزبان وخطط لذلك لسنة 1975.

* هل كان الشيوعيون مرشحين لنيل حزب باعتبار قربهم في فترة ما من عبد الناصر ؟

** لا أستطيع أن أتحدث عن التفاصيل، فقط أقول كان المسار يتجه نحو حزبين ثم تعددية حزبية وأي أحد يدعى غير هذا فهو لا يعلم لا يعلم...

* فيما يتعلق بالحركة العربية الواحدة كيف خطرت في ذهن عبد الناصر  بعد 1967؟

**  الحركة العربية الواحدة لم تفارق ذهن عبد الناصر بتاتا فإيمانه بالقومية العربية ترجمه إلى وحدة مع سوريا، إلى وحدة مع اليمن، إلى علاقات وطيدة جدا مع ليبيا والسودان تمهيدا للوحدة. فهذا الموضوع لم يفارقه أبدا والذي كان يعوق تطلعاته، كان إما المراهقات السياسية أو التطلعات الشخصية الانتهازية من بعض القيادات التقليدية لركوب الموجة... وعبد الناصر كان يرفض ذلك، ويبحث عن القواعد السليمة وهي الأسباب التي دفعته إلى التوجه إلى الشباب واهتمامه بتكوين منظمة شباب، وخلق جيل جديد يؤمن بالوحدة العربية.

* لكن، ألم تلاحظ أن تنظيم فتحي الديب (الطليعة) لم يتمكن من إنشاء الحركة العربية الواحدة جماهيريا؟

** العملية التي تولاها فتحي الديب كانت التمهيد وليس الأساس ومع احترامنا له كصديق وزميل، وهو لسوء حظه وضع في مكان حرج رغم تأكيدنا على أنه إنسان شريف نقي، وفي الحقيقة عبد الناصر كان يباشر بنفسه تحقيق حلم الحركة العربية الواحدة بغض النظر عن المحيطين به.

* لو توضح لنا هذه النقطة أكثر؟

** طيب، عبد الناصر كان يلتقي بكثير من العاملين في المجال السياسي العربي، ومن خلال هذه اللقاءات كان يشكل مع بعضهم علاقات شخصية مباشرة أو عن طريقي ليكونوا بمثابة النواة للحركة العربية الواحدة وباقي التحركات كانت إما للتغطية أو لاكتشاف عناصر جديدة أو للفرز بينها.

* هذه المجموعات طبعا ناصرية؟

** ضحك عفويا وقال، (أو مال يعني استرالية)!

* فوضحت السؤال أكثر، أعني ربما تكون من حركة القوميين العرب أو غيرهم؟

** والله في الحقيقة كانت هناك عناصر كثيرة ملتقطة من تيارات عاملة في الحقل القومي ولما جاءت فكرة عبد الناصر تشبثوا بها باعتبارها الأصل وهؤلاء كانوا من القوميين العرب ومن بعثيين سوريين وعراقيين، وعناصر تقدمية ماركسية لما فتح لهم عبد الناصر الباب دخلوا جميعا منه.

*  أغلب الناصرين الذين تعاملتم معهم كانوا من لبنان ؟

** ليس من لبنان فقط وإنما من جميع أنحاء العالم العربي، وكل حركات التحرر من المغرب العربي تعاملت مع القاهرة، وكل العناصر التقدمية تعلموا أو تدربوا في مصر... وهم من الإمارات واليمن والسعودية...

* نعود إلى موضوع هيكل، وتحديدا قبل مايو 1971، عندما كتب مقالين أثارا زوبعة كبيرة: مقال (تحية إلى الرجال) و(عبد الناصر ليس أسطورة). كيف واجهت المجموعة الناصرية هذين المقالين؟

** بالنسبة إلينا يمكن تقييمهما موضوعيا كالآتي :
- هيكل، كان في داخله متخوفا من الحرب. هذا الخوف قاده إلى أن يترجم هذا الإحساس إلى تعبير قدمه للرأي العام. والرجل صحفي يكتب، وكان دائما يحذر، ونحن كمؤسسة رئاسة ومؤسسة عسكرية قررنا الحرب، لا يهمنا أن نترك مثل هذا الحديث ينشر، ربما يضلل العدو، لكن ما يهمنا هو أن لا تهتز الروح المعنوية للمقاتل. هنا نقول له: قف لا تتجاوز حدودك. وهذا باختصار ما كان  عليه تفكيرنا.
- المقال الثاني المتعلق (بعبد الناصر ليس أسطورة)، اعتقد أن هيكل له الحق وليس له أي حق!
له حق في أن عبد الناصر ليس بأسطورة بمعنى أنه لم يكن آلهة ولا شيئا يعبد. ونسيء إلى عبد الناصر إذا اعتبرناه صنما معبودا... فالرجل كان إنسانا يخطئ ويصيب، ولكن بعض الأخوة أخذوا الموضوع من زاوية عاطفية. فاعتبروا أن هيكل يريد أن يغير جلده. وهذا حقيقة لم يكن صحيحا، وليس دفاعا عنه، وأنا تحدثت معه حول هذا الموضوع في تلك الأيام، وأيضا حديثا جدا (سنة 1991)، وأنا اتفق معه بأن عبد الناصر ليس أسطورة.

* لكن، إلى أي حد يعتقد رجال عبد الناصر بأن هيكل تأثر بتوجيه معين من السادات خاصة في مقال (تحية إلى الرجال) الذي أثار بخاصة الفريق محمد فوزي ؟

** محمد حسنين هيكل رجل يحسب لكل شيء. وطبعا مثلما قلت، كانت علاقته بعبد الناصر علاقة خاصة. وبعد رحيل القائد، لا يمكن أن تكون له مع أي منا علاقة مثل تلك التي كانت مع الراحل لأسباب كثيرة خاصة به وبنا... فعبد الناصر كانت له حساباته. كان قادرا على احتواء الجميع، يقرب هذا، ويبعد ذاك، وكل شيء كان محسوبا.
اعتقد هيكل أنه لن يكون له نفس الموقع والمكانة التي كانت له بعد عبد الناصر، واعتقاده صحيح من الناحية العلمية، ولكن عمليا خطأ، لماذا؟ لأنه أراد أو لم يرد فإنه محسوب على عبد الناصر. يعني لو انقلب عليه، لن يصدقه أحد، فهو لا يستطيع ذلك مطلقا.
واعتقد أنه لو حسب الأمر على أساس نبقى على علاقة طيبة فيما بيننا لكانت التطورات في طريق آخر.
كذلك، وهذه المسألة نسبية، وهي أن قدرتنا على موازنة الأمور لدى بعضنا حدية، أي يا أبيض أو أسود. ومثال ذلك، فنحن نأخذ منه موقفا حديا، بينما عبد الناصر قد يغض الطرف. وأضيف أن عبد الناصر  يستطيع أن يشد هيكل من أذنه بينما يستحيل أن يقبل ذلك منا نحن!!
ولاحظ هيكل خلافات جوهرية على السطح. وتنبأ بأن الصدام سيقع... وهو راهن على الحل السلمي لأنه يؤمن به، وقال يمكن لهؤلاء لو أقدموا على الحل العسكري أن يضروا البلد فهم ليسوا عبد الناصر.
فحساباته قامت على عنصرين: الأول شخصي وهو أين موقعه. وخصوصا أنه يرفض أن يكون وزيرا، وهذا الرفض كان ضد رغبة عبد الناصر، لأنه حينما اختاره للوزارة، كان واعيا باختياره. فقد قال له: "أنت تفلسف هذه المسائل وأنت صحافي خارج عن الدائرة، امسك الوزارة وفلسفها من الداخل وأنت وزير"، ومن هنا أمرني عبد الناصر بأن أذيع قرار تعيين محمد حسنين هيكل  في الوزارة على الساعة 12 ظهرا بالإذاعة. وفوجئ هيكل بالقرار. وهذا المثال دليل على أن عبد الناصر هو الذي يحرك هيكل وليس العكس.

* أدقق السؤال أكثر، هذان المقالان، هل اعتقدتم أنتم رجال مايو 1971 أن السادات كان وراء كتابتهما ؟

** لا، هيكل بعد عبد الناصر، أصبح يكتب بفكره الشخصي، فقط يمكن بعد 15 مايو 1971 نسق مع السادات.

* لكن المرحوم علي صبري هاجم بشدة هذين المقالين ؟

** ليس فقط علي صبري، وإنما الجميع. وأيضا ضياء الدين داوود، ولبيب شقير، وعبد المحسن أبو النور وغيرهم...

* لقد ذكر لي الأستاذ محمد فائق أنهم هاجموا هذين المقالين باعتبارهما يمثلان فكر السادات، فكانت شدة انتقادهم موجهة أساسا إلى السادات؟

** هم اتفقوا من حيث لم يتفقوا، يعني لم يجلسوا على طاولة للاتفاق. فهيكل كان خائفا، والسادات اكتشفنا فيما بعد أن له اتصالات خاصة مع الأمريكان وغيرهم...

* متى أحسستم بأن محمد حسنين هيكل تموقع نهائيا مع السادات في مواجهتكم؟، وما هي المؤشرات التي ترجمت هذا الإحساس ؟

** لغاية آخر لحظة كان من الصعب أن نحدد موقعه لغاية الفترة الممتدة من 20 أبريل إلى 15 مايو(1971).

* تأكد لكم ذلك؟

** ليس تأكد لنا، وإنما تأكد لي شخصيا. ففي يوم 19 أو 20  أبريل،  كنت والمرحوم شعراوي جمعه (وزير الداخلية) عند هيكل في مكتبه. وطرح هيكل موضوعا قال فيه (أنت رئيس الوزراء القادم يا شعراوي). فوجئت أنا بهذا الموضوع، شعراوي سعد بالخبر، وأما أنا فتضايقت وسكت عن الحديث. وبعدما خرجنا ـ أنا وشعراوي ـ قلت له: (إيه الكلام ده يا شعراوي، هو هيكل حيعينك رئيس وزراء!!) وأضفت (أو هو أنت عايز تبقى رئيس وزراء) سكت. وثاني يوم، وكان شعراوي يمر علي كل يوم يشرب معي القهوة في مكتبي ثم يذهب إلى مكتبه، قابلته وقلت له: (لقد فكرت طوال البارحة وأعتقد أن هناك عملية تخدير. لماذا؟ لأن هيكل رشح د.محمود فوزي لرئاسة الوزراء وأصر على تعيينه بعد وفاة الرئيس، علما أن المرحوم الدكتور فوزي فاضي، وهيكل هو الذي صنع منه شيئا من خلال كتاباته، وكان دائما كلما سأله الرئيس عن شيء، يقول له: أمرك يا ريس، إلى تشوفو، إلهامك يا ريس...

* هل كان هيكل يؤثر في صنع القرار في عهد السادات قبل 15 مايو 1971؟

** طبعا، لأن السادات كان يعتقد أن هيكل كان مؤثرا في عهد عبد الناصر. فالسادات لم يكن يعلم شيئا، علما بأن عبد الناصر كان يستخدم محمد حسنين هيكل، وكان يعرف كيف يستخدمه، وهذا الحديث لا ينال من هيكل ولا يحط من شأنه.

* لنقل، أن محمد حسنين هيكل كان يخاف من الرجال الأقوياء القريبين من عبد الناصر مثل علي صبري وشعراوي جمعه وسامي شرف، فحاول أن يبرز آخرين شخصياتهم باهتة من نوع محمود فوزي حتى يتمكن من التأثير في الجميع وبالتالي الإمساك بالقرار السياسي. فما رأيك في هذا التحليل ؟

** أوافقك هذا  تجريد سليم.

* نأتي إلى بداية تسارع أحداث مايو 1971. قلنا أن النصف الثاني من أبريل كشف أن مجموعة عبد الناصر تموقعت في جهة، وهيكل في الجهة المقابلة. فكيف بدأ هذا الأخير يعمل للإطاحة بكم؟

** هو اتبع سياسة تخدير تجاه شعراوي جمعه عندما أوهمه بمسألة رئاسة الوزارة. والحقيقة أنني لغاية هذه اللحظة، ومع تقديري لشعراوي كإنسان شريف، ونقي تتلمذ على يد عبد الناصر، لم أستطع أن أفسر لماذا انجرف وراء هيكل وتخديره. فأنا مثلا لم أخدع، ولم أكن أعادي محمد حسنين هيكل. فكنا نتزاور، يزورني أولاده وكذلك أولادي، لكن العمل عمل والسياسة سياسة... لأنه لو حصل حوار بين شعراوي وبيني حول هذا الموضوع لكان من الممكن أن نعالج المشكلة سياسيا فكنا نتنبه إلى ما يحدث، لكن نتيجة لهذا التخدير وقع المحظور.

* إذن، تعتقد أن أهم دور لعبه هيكل في 15 مايو هو تخدير شعراوي جمعه ؟

** حقيقة لم يكن على المسرح سوى شعراوي جمعه. فعلاقته بعلي صبري سيئة وحسين شافعي والفريق فوزي كان أمرهما محسوما كخصوم لهيكل والسادات وهو يعلم أن شعراوي وسامي قريبين من بعض وإلى حد وفاته رفض شعراوي الحديث في هذه النقطة الغامضة ولم أكن أقدر أن أجبره على الكلام.

* نحوصل، فنقول أن أهم دور لهيكل كان في تخدير شعراوي جمعه؟

** وأضيف خلق علاقة مع محمد أحمد صادق ليس من خلال الفريق فوزي طبعا.

* مقاطعا، لو تسمح لي، هل يمكن أن أعرف لماذا هذا العداء الشديد بين هيكل والفريق أول محمد فوزي؟

** لست أدري. أنا لم أطرح هذا الموضوع إلى اليوم مع هيكل ولكن في ذهني أن أحكي معه في هذه المسألة. لا أستطيع أن أعطيك إجابة على هذا السؤال.
أعود إلى موضوع العلاقة مع محمد أحمد صادق، لقد استخدم أحد الصحفيين في جريدة (الأهرام) واسمه عبدو  مباشر وكان مراسلا حربيا ومندوب الأهرام في الدوائر العسكرية وكانت علاقته بمحمد صادق قوية حيث يقوم له بدعاية. ولما انتقل الفريق صادق إلى رئاسة الأركان انتقل معه عبدو مباشر ومن خلال هذه العلاقة ربطت الخيوط بين هيكل وصادق ولم نكن نتابعها وبعدما دخلنا السجن عرفنا أن رابطا قويا كان بينهما لكن ما هو حجمه، وإلى أي مدى، هذا ما لم نكن نعرفه.

* محمد حسنين هيكل  قال أنه مهندس أحداث مايو 1971، فهل  تعتقدون بأنه المهندس الحقيقي لهذه الأحداث؟

** لا، وأعلم أن أحداث مايو 1971، لا اعتبرها صراعا على السلطة وإنما هو صراع بين اتجاهين: اتجاه تقدمي واتجاه رجعي. ولو كنا سياسيين محترفين وتخلصنا من أخلاقنا لانقلبت الصورة تماما بنسبة 180 درجة، وأن السادات لما قضى علينا بسهولة، فقضاؤه لم يأت بنتيجة ضعف وإنما نحن تنازلنا على السلطة بمحض إرادتنا. لقد كنا تيارين متناقضين واحد منهما أخلاقي والآخر متآمر.

* اليوم، ألا تحسون بالندم في تفريطكم في مستقبل مصر؟

** أعترف أن أخلاقياتنا كانت أكثر من اللزوم. وأنا تعلمت منذ عشرين سنة أن السياسية لا يجب أن تكون أخلاقيات مائة بالمائة. وأنا أقول هذا الحديث على لساني دون أن يقتنع به عقلي وقلبي. وأنا أحس بمرارة ليس لفقداني الحكم، فاليوم لو تعطيني الحكم وتثقله ذهبا سأرفض، لأن حكم مصر أمر صعب جدا وقاس وليس سهلا.

* أنتم مسكتم تسجيلات خطيرة جدا مصيرية ضد السادات تبين ارتباطه الوثيق مع الأمريكان وبداية انحرافه، فكيف كان رد فعلكم؟

** لم نعمل انقلابا لأننا لسنا انقلابيين. فنحن حتى ترددنا في المحكمة في إثارة الموضوع وكان ممكن أن نفعل ذلك ونحن مسجونين، على الأقل نبدو أبطالا في المحكمة. ولكن أخلاقياتنا مرة أخرى تحكمت فينا، لم نكن نريد أن نبرز رئيس جمهوريتنا خائنا لوطنه أمام القوات المسلحة التي ستحارب العدو ودار بيننا حوار ونحن في السجن واتفقنا على عدم إثارة هذه النقطة وكان من حقنا أن ندافع عن أنفسنا. تقول لي أنتم هبل، فيه عبط، فيه تخلف، الآن أقول لك نعم... الأخلاق تحكمت فينا.

* هل تعتقدون أن تلك الفترة وطد فيها هيكل حكم السادات؟

** من الممكن إلى حد ما ولكن ربما بناء هيكل لنفسه كان أكثر من بنائه للسادات.

* لنجرد المسألة، فنقول أن محمد حسنين هيكل  ساهم في ضرب رجال عبد الناصر الأقوياء من أجل أن ينفرد بالرجل الضعيف وهو السادات فحاول أن يبقى مع الضعيف وهو القوي حتى تزداد قوته ويزداد تأثيره عليه، لكن يبدو أن السادات كان أقوى من ذلك.

** في الواقع السادات رجل متآمر. فهو لا يريد أن يتعايش مع من عرفه في موقع الضعف، بالدليل أنه ضرب من اعتبرهم أبطالا قوميين مثل عزيز صدقي الذي طرده، ومحمد صادق الذي قال عنه بطلا قوميا أصبح في نظره خائنا وعميلا،  كذلك محمد عبد السلام الزيات الذي قال عنه أنه عميل شيوعي، فالسادات متآمر وممثل يجيد التمثيل من صغره كان يريد الدخول إلى عالم التمثيل المسرحي منذ الثلاثينات.

* هذا سؤال حرج، هل كان لمحمد حسنين هيكل  ملف عند جهاز المخابرات؟

** طبعا كان له ملف عند المخابرات العامة وليس عند مكتب الرئيس للمعلومات. وهذا عمل المخابرات وهي ليست بالضرورة ملفات إدانة، وإنما تواكب نشاطه ومقابلاته واتصالاته فليس كل من له ملف عند أجهزة الأمن يكون مدانا.

* أكيد أنك قرأت ما كتبه هيكل في كتبه المثيرة، وقد ورد اسمك فيها عشرات المرات، فهل تعتقد بعد اطلاعك عليها أن هيكل غض الطرف عن بعض الحقائق أو تجاوز بعض الحقائق أو غير بعض الحقائق؟

** كل ما ذكرته ورد فعلا، حيث هناك أشياء غض عنها الطرف، وأخرى تجاوزها، وأخرى غير حقيقتها، طبعا هناك أشياء صحيحة.
وأنا أعطي مثالا، إذا طلبت مني أن أكتب عن عبد الناصر فسأكتب منحازا له، وليس مدافعا عنه، وهناك فرق كبير بين الدفاع والانحياز. وهيكل عندما يكتب، فهو يكتب منحازا لنفسه، وهذا من حقه لا ألومه عليه، ولكن لو أنا مثلا، أكتب فسأذكر الحقائق كما هي، وفي حواراتي مؤخرا مع هيكل تحدثت معه بصراحة كبيرة حول بعض المسائل واتضح لي أن بعض الأحداث لا يعرف خلفياتها، فيجتهد من عنده دون معرفتها.

* هل ترى أن هيكل مؤرخ للحقبة الناصرية ولعبد الناصر ؟

** هو بنفسه قال أنا لست مؤرخا، حتى أنه في كتابه "سنوات الغليان" يقول له مؤرخ إنجليزي أنت أرخت لمصر، إلا أن هيكل ينفي ذلك. إضافة إلى ذلك، إن التاريخ لا يكتب في حياة الأشخاص وإنما يكتب مثلا بعد 50 سنة من نهاية الأحداث. فالتاريخ يكتبه آخرون محايدون وإنما الذين يكتبون الآن هم جامعو شهادات وحقائق وليسوا بمؤرخين.

* أثناء فترة حكم عبد الناصر، هل وجد في جهاز الدولة المصرية من حاول عرقلة محمد حسنين هيكل ؟

** هناك فترة من سنة 1952 إلى سنة 1967، وأخرى من 1967 إلى 1970 والثالثة ما بعد 1970.

* في الفترة الأولى مثلا؟

** من سنة 1952 إلى سنة 1967 برز وجود المؤسسة العسكرية لأسباب كثيرة أهمها تأمين الثورة، ولذلك عين  عبد الحكيم عامر قائدا عاما للقوات المسلحة، والسبب الآخر أن تجربة 23 يوليو 1952 واجهت مؤامرات لا نهاية لها من قبل قوى قوية وعنيفة طوال الوقت. فكانت المؤسسة العسكرية هي التي تحمي البلد حيث يعتبر عمودك الفقري هو القوات المسلحة. واعتبر أن القوة الرجعية كانت غبية في هجومها على الثورة، لأن النتيجة تكون في تقوية المؤسسة العسكرية وأجهزة الأمن بحيث أنهم يقولون اليوم الحكم كان بوليسيا ولم يكن كذلك. فقط من حقي كنظام أن أقاوم التدخل في شؤوني الداخلية، وهو حق مشروع... وبالتالي أي أعمال يومية لا تخلو من بعض التجاوزات، سواء من المؤسسة العسكرية أو من أجهزة الأمن... وهي تجاوزات مرفوضة وغير مبررة، وهيكل بتفكيره الليبرالي وخوفه من العسكر، لم يقبل ويهضم أسلوب العسكر. وطبيعي أن المثقف المدني يخشى عن جهل وليس عن اطلاع طبيعة المجتمع العسكري. فالمجتمع العسكري متكون من أهلي وأهلك، والضابط يخرج بعد الظهر ويعيش حياة عادية بلباسه المدني...

* من الذين اصطدم بهم هيكل في أجهزة الدولة ؟

** هيكل لم يصطدم بأحد نظرا لعلاقته الخاصة بعبد الناصر، ولما كتب مقال (زوار الفجر) كان قد استشار عبد الناصر ووافقه.

* يقول البعض أن أغلب أفكار هيكل التي يكتبها في ركن بصراحة في الأهرام مستوحى من نقاشاته ولقاءاته بعبد الناصر ؟

** هذا غير صحيح، فعبد الناصر كان يقرأ المقال، مثله مثل أي قارئ.

* ألم يأخذ بعض المعلومات من عبد الناصر ؟


** طبعا، هناك اتصال يومي معه.

* لكن باعتبار هيكل قريبا من عبد الناصر، ألم يحاول الرئيس توجيهه في مقالاته ؟

** هيكل يعرف جيدا توجه الأحداث وكيف تسير الأمور. ولم يكن محتاجا، وربما لا تتجاوز المقالات التي استشار فيها عبد الناصر أصابع اليد ومن ضمنها (زوار الفجر). وعبد الناصر يريد إنسانا يكتب ويخطئ حتى...

أجري هذا الحديث في أغسطس 1991 في بيت
 الأستاذ سامي شرف بمصر الجديدة بالقاهرة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق