المفكر التونسي الدكتور حمادي الرديسي صاحب كتاب "ميثاق نجد" في حوار مع التقدمية
النظام السعودي ليس له اليوم أي مخرج سوى
تحالفه التاريخي مع الوهابية
حاوره في لندن يوسف لهلالي
في البداية أستاذ حمادي رديسي ما هي ظروف تأليف هذا الكتاب حول الحركة الوهابية "عقد النجد: كيف يحل إسلام طائفي محل الإسلام"؟
بعد كتابي الأول "الاستثناء الإسلامي " في منشورات سوي، الذي كان نظريا جدا حول الإسلام الكلاسيكي والإسلام المعاصر من وجهة نظر السوسولوجية التاريخية، بعدها قررت أن أدرس حالة امبيريقية تكون جديدة أو قديمة وقد اخترت الحركة الوهابية، لأنها حركة بدأت في مفصل القرن الوسيط وبداية الحداثة. وقد ظهرت هذه الحركة في القرن الثامن عشر دون أي تأثير خارجي غربي أو غيره. لهذه كانت حركة تميل أكثر إلى القرون الوسطى تتخيل إسلاما صافيا كما عرفناه مع الموحدين وغيرهم من الحركات. لكنها في نفس الوقت حركة تدخل بنا إلى عصر الحداثة لأنها تواصلت حتى بداية القرن التاسع عشر الذي تميز بالاستعمار والهيمنة الغربية والى اليوم الحاضر. لهذا، فهذه الحركة استثنائية هي فرقة قديمة في ثوب جديد، وتمكنت من الحفاظ على فكر قرن وسطوي إلى اليوم، فهي استثنائية بكل المقاييس ومكنتنا في نفس الوقت من دراستها على المستوى الامبيريقي وكأننا نعايش فرقة دينية كما شهدتها القرون الوسطى.
كيف يمكننا إن نصف الحركة الوهابية هل هي حركة دينية أو حركة سياسية أم هما معا؟
في تاريخ المذهب السني لأول مرة يحدث تحالف بين الفقه الديني والسياسة لتشكيل دولة، ففي القرون الوسطى كان أما أن الفقيه هو رجل السياسة كما كان الشأن لدى الموحدين وإما إن السياسة هو الأمير يحكم لوحده وتحت إمرته الفقهاء. وما يسمى ميثاق نجد هو اتفاق بين رجل علم الفقه محمد بن عبد الوهاب وبين سياسي محمد بن سعود سنة 1744، وهو تحالف تم ندا لند بين السياسي ورجل الدين وهو تحالف عمر طويلا أي حتى اليوم وهو التحالف الذي يحكم العربية السعودية وهو توزيع الأدوار فيه بين السياسي البرغماتي وبين الديني المتزمت.
وهي ازدواجية تنعكس على هذا النظام في جميع مجالاته وتحالفاته. هم في نفس الوقت مع أمين الريحاني كليبرالي وفي نفس الوقت مع محمد رشيد رضا كمحافظ .
لكن هذا التحالف بين الديني والسياسي بالسعودية الم يتعرض لتصدع بفعل الأحداث الأخيرة التي شهدها العالم مثل تفجيرات 11 من سبتمبر ؟
هذا التحالف تعرض لتصدع نتج عنه فتح فضاء اكبر لليبرالية والى إسلام وسطي وسمح لصحافة بانتقاد الوهابية وقد كتب الكثير عنها منذ ذلك. وتمت عرائض وتوقيعات ساهم فيه العديد من المثقفين والصحفيين مثل محمد سعيد، محمد تركي، الذين أتحدث عنهم في الكتاب. وخاصة في الجزء الخامس الذي اطرح فيه تساؤلات حول التغييرات الممكنة والتي يمكن أن تعرفها العربية السعودية.
ومن جانب ثان فقد أصبحت الوهابية تتعرض إلى انتقادات بصفتها حركة خارجية وضالة ومتزمتة، فالوهابية بدأت كإسلام فرقي اعتبرها الإسلام الرسمي آنذاك كفرقة ضالة وبعد أن أصبحت الوهابية بعد ذلك هي الإسلام الرسمي في السعودية وتم رد الاعتبار لها.
واليوم ظهرت فرق بالسعودية تدافع عن أطروحات عبد الوهاب الأولى ضد الوهابية حاليا. والنظام السعودي اليوم ليس له أي مخرج باستثناء هذا التحالف. وإذا أخذنا بلدانا أخرى مثل المغرب فهو مبني على التقليد وشرعية تعود إلى الأدارسة منذ ألف سنة، أما تونس فهي مبنية على شرعية الحركة الوطنية وحزب قائد ونفس الشيء بالجزائر، فهي مبنية على الشرعية العسكرية والنضالية.
بالنسبة للسعودية أي بديل مطروح لو تم فك الارتباط بين آل سعود والوهابية ؟ ما هو البديل ؟ والبديل أن تصبح ملكية دستورية على شاكلة المغرب أو الأردن. وهذا يحتاج إلى ذكاء وفطنة ووقت، لكن المشكلة انه لم يعد لها وقت ؟ ولهذا فالنظام له وقت قصير للقيام بالإصلاحات الأساسية، وهل الأوراق الدبلوماسية المتوفرة لها قادرة على تأمينها في المستقبل القريب؟ حتى التحالف مع الإدارة الأمريكية لم يعد يؤمنها؟ لن يعمر طويلا هذا التحالف، لهذا لابد من الإصلاحات فهي التي ستخرجهم من الأزمة ليصبحوا مثل الملكية بالمغرب أو الأردن.
كما أن هناك حركية كبيرة بالمجتمع السعودي خصوصا فيما يكتبونه في المجلات المختصة وهناك جزء من النخبة السعودية مستعدة لهذا الاتجاه. وإذا سارت الأمور في هذا الاتجاه فان السعودية ستنقذ نفسها وتنقذ العالم العربي.
فيما يخص نظرة المغاربيين إلى الوهابية كيف كانت وكيف أصبحت؟
بالنسبة للمغرب العربي، في 1803 وصلت مجموعة من الرسائل من الوهابية وكان المغاربيون يعتقدون أن محمد عبد الوهاب مازال حيا لأنهم كانوا لا يعرفون انه توفي في هذه الفترة وهي ورقات كتبها قبل وفاته سنة 1792 وهي رسائل لم تصل إلا سنة 1803 وهو ما يبرز الوقت الكبير الذي تطلبه وصولها. وهناك فقيهان مغربيان هما بنكيران وبناني يقولان في ردهما على هذه الحركة" الفرضات الوهابية في الرد على الوهابية "وقد عبروا عن تحفظهم على هذه الوثائق ومضمونها ونفس الشيء قام به فقهاء تونسيون مثل عمر المحجوب وإسماعيل التميمي بالإضافة إلى آخرين وهذه الردود تمت ما بين 1803 و1807 وفي 1818
حدث تحول بعد أن قرر المولى سليمان ملك المغرب بعث ابنه إلى آل سعود وطلب من بنكيران تحرير رسالة أخرى تكون أكثر ايجابية وطلب من حمدون بن الحاج كتابة قصيدة وذهب إبراهيم والزغادي من دون ابن كيران إلى السعودية وقابلوا آل سعود وبعد الزيارة عاد المغاربة مقتنعين بأن الوهابية هي جزء من التقليد والسنة وليست خارجة عنهما. وقد تم قفل هذا الملف بعد موت المولى سليمان سنة 1822.
هكذا تصدى المغرب إلى الوهابية في أوجها عندما بدأت. في القرن العشرين انقطع أي تأثير لهذه الحركة على المغرب العربي، لكن تأثيرها على المنطقة بدأ عندما تحالفت الوهابية مع حركة الإخوان المسلمين. وعاد هذا التأثير من جديد في التسعينات مع راشد الغنوشي وعبد السلام ياسين سواء في المغرب وتونس والجزائر من خلال الأموال والدعوة التي تم تجنيدها في اتجاه هذه البلدان.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق